مصطفى كارت أوغلو - ترجمة وتحرير ترك برس

مقالتي الأخيرة قبل عطلة عيد الفطر كانت تنتهي بهذه الجملة:

"يجب على تركيا ان تكون أكثر قربا من أربيل".

وقد ثبت هذا الاعتقاد في الصورة التي شاهدتها يوم أمس، حينما وقعت نائبة وزير الدفاع الأمريكي إليسا سلوتكين، مع وزير دفاع الحُكم الذاتي لإقليم كردستان كريم سنجاري، حيث وقعوا "بروتوكول التعاون العسكري"، وكان يقف خلفهم رئيس كردستان مسعود برزاني.

وهذا يعني أنّ معاشات ورواتب البيشمركة ستدفعها أمريكا من الآن فصاعدا، لأنّ أحد مصدري الدخل بالنسبة لبرزاني هو حصتهم في ميزانية الحكومة العراقية المركزية، لكن بغداد لا تدفع، والمصدر الآخر هو البترول، لكن منذ هبوط سعر النفط إلى أقل من 50 دولارا، أصبح هذا المصدر لا يكفي لتغطية معاشاتهم.

ساهمت تركيا بصورة كبيرة في دعم حُكم برزاني لمواجهة الأزمة المالية التي يمر بها، وذلك عندما فتحت خط أناابيب كركوك-جيهان. فأمريكا التي تدفع اليوم لقوات البيشمركة، كانت بالأمس تعيق بيع نفط شمال العراق عن طريق تركيا، ولم يعطوا الاذن لطائرة وزير الطاقة التركي تانير يلدز من اجل الهبوط في أربيل وتوقيع الاتفاقية.

لكن رغم ذلك أصرت تركيا على المضي قدما بهذا الطريق، وتحمل برزاني الضغوطات الأمريكية، وتم التوقيع على الاتفاقية، ومع هذا لم يُسمح بدخول نواقل النفط إلى الميناء، لكن مجددا الإصرار ولّد نتائج جيدة، وانكسر الحاجز الأمريكي، ومشت الأمور كما يجب.

وبناء على ذلك، تقوم تركيا منذ عدة سنوات بالحصول على أجرة نقل النفط المبيوع من جيهان، وتدفع حصة أربيل لها، وحصة بغداد كذلك. وكل هذه العمليات تتم عن طريق بنك "Halkbank"، بصورة شفافة تحت أنظار النظام المصرفي العالمي.

لكن هبوط أسعار النفط جعل هذا الأمر غير كافي لإنقاذ أربيل، ولهذا احتاج برزاني لتوقيع ذلك الاتفاق حول المعاشات، بما قيمته 415 مليون دولار، وهذا المبلغ يساوي نصف تكلفة إحدى مئات الأبراج السكنية التي أنشأتها تركيا في كردستان في آخر 10 سنوات!

**

عملت تركيا على رفع التعاون العسكري والسياسي والاستخباري مع شعب شمال العراق خلال العشر سنوات الماضية، لتكون هي الصديق الأكثر قربا لحُكم برزاني، وهكذا كان يتوجب على تركيا أنْ تعمل، من منطلق إنساني وإسلامي وتاريخي، ومن منطلق حاجة سياسية واقتصادية أيضا.

واتفاقية نقل النفط التي وقعتها تركيا مع كردستان، دليل كافٍ على الأهمية القصوى التي توليها تركيا لشعب شمال العراق ونظام حُكمه، لكن المشهد الأخير يقول لتركيا:

"هذا لا يكفي".

ما قامت به أنقرة مقارنة بما قامت به تركيا تجاه كردستان قبل 10-15 سنوات، هي أمور كثيرة، لكن لنرى ما تقوم به أمريكا:

أرسلت في آخر 5 سنوات، عدد 5500 طالب ليكملوا تعليمهم الجامعي في مرحلة البكالوريوس والماجستير، 80% منهم إلى أمريكا وانجلترا، ومعظم الباقي ذهب إلى فرنسا، فيما عدد طلبة شمال العراق في تركيا هو 200!
طواقم أهم 4 قنوات في شمال العراق، تم تعليمهم على يد قناتي BBC و France24.
قامت فرنسا بتحويل إحدى قلاع أربيل العثمانية إلى "مركز الثقافة الفرنسي".
قامت إيران بافتتاح "مركز الإمام الخيميني الثقافي" في كركوك، وهناك مثيل لها في أربيل والسليمانية.
تركيا قامت بتأسيس مخيمات للاجئين الفارين من داعش والذين أجبرهم العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب على الهجرة من شمال العراق، لكن من يدير تلك المخيمات تلقوا تعليمهم من إيران!
يوجد في شمال العراق 48 كلية "لتأهيل أجيال المستقبل"، منها 31 كلية تتبع للتنظيم الموازي! برغم ما طلبه برزاني من أنْ ترسل وزارة التعليم التركية إداريين وأكاديميين ليحلوا بديلا للطواقم التي تدير هذه الكليات!

**

انا كنت شاهدا على قول اردوغان "لنزيد حجم تجارتنا، ولنعلم أبنائكم، ولنزيد من مؤسساتنا الثقافية، ونتعاون في الوزارات، والعسكر والشرطة، ونوقع اتفاقيات توأمة بين البلديات، واذا احتجتم أي شيء اتصلوا بنا أولا... التنظيم الموازي يشكل لكم تهديدا، خذوا مدراسكم لتحت سيطرتكم، واذا احتجتم نستطيع ارسال معلمون لكم".

وقد صادق البرلمان التركي على قانون "وقف المعارف"، وقامت المؤسسات التركية، والوزارات والحكومات، وجهاز الاستخبارات، وهيئة الإغاثة، والهلال الأحمر، ومؤسسات يونس إمري، وغيرها من المؤسسات بتوقيع العديد من الاتفاقيات.

لكننا تابعنا نهائيات أمم أوروبا لكرة القدم، بعض المنتخبات لعبت جيدا، لكن من سجّل حقق الفوز، والمشهد في أربيل يشير إلى وجود كرة في الشباك، فأمريكا لن تدفع معاشات البيشمركة "مجانا"، ولو كانت تريد فعل هذا "الخير" لقامت به من خلال دعم حصة كردستان لدى ميزانية الحكومة المركزية في بغداد.

والأهم من ذلك، هو أنّه هذه نفس اليد التي تغذي "حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب"، وهذا يعني أنّ ثمن ذلك لن يدفعه برزاني لوحده، ولن يكون هناك فراغ في الساحة.

الجانب الإيجابي في الموضوع، هو أنّ البطولة لم تنته بعدد.

عن الكاتب

مصطفى كارت أوغلو

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس