هشام افحايلي - خاص ترك برس

من القبيح أن الغرب لم يدن الانقلاب العسكري ضد الشرعية في تركيا إلى بعد أن تبين لهم أنه في طريقه إلى الفشل، لكن الأقبح من ذلك هو 'تقريبا' إدانة هذا الغرب السريعة لما تقوم به السلطات التركية من توقيف طبيعي للمتورطين بعد محاولة الانقلاب، والذين بلغ عددهم بضعة ألاف موقوف إلى حد الآن من أجل التحقيق.

وهو شيء منطقي مقارنة مع حجم الانقلاب الذي حرك دبابات وطائرات عمودية ونفاثة، كما أن عدم إدانة الغرب نفسه، قبلا، لاعتقال الانقلابيين في مصر لأكثر من 60 ألف مواطن مع الشرعية الدستورية اختفوا بشكل قسري يؤكد نفاق الغرب وكيله بمكيالين بحسب بوصلته 'الحقوقية' التي لا تبصر إلا مصالحه، من يرى الغرب وخاصة الإتحاد الأوروبي يتباكى على الانقلابيين بل ويهددون تركيا بوقف مفاوضات الالتحاق التي كتب لها أن لا تنتهي إن هي أقرت بإعدامهم، ثم يرى كيف أن ذات الغرب لم يحرك ساكنا لأحكام إعدام العشرات من المواطنين المصريين وممثليهم وعلى رأسهم الرئيس المنتخب يشعر صراحة بالقرف!

 الأكيد أن تركيا دولة حديثة وسبب نجاتها الأساسي من محاولة الانقلاب العسكري يعود لكونها دولة مؤسسات لا مكان فيها لأي تصرف خارج القانون، وبالتالي فهي لا تحتاج نصائح من أحد بخصوص هذا الأمر، وحينما نقول القانون فنحن نعني مصدر تشريع القوانين الوحيد وهو البرلمان الذي قصفه الانقلابيين بالمناسبة وبداخله البرلمانيين في محاولة 'لإعدامهم' خارج القانون، فمن هم في تلك البناية وحدهم من يشرع القانون في دولة تركيا، فإن رأوا بأن عقوبة الانقلابيين الذين حاولوا اغتيال رئيس الدولة واختطاف رئيس الأركان، بل وقد قتلوا المواطنين قصفا في الميادين فتمزقت أجساد بعضهم إلى أشلاء، فإن رأى هؤلاء البرلمانيون بأن يعدم من دبر هذا الانقلاب الظالم ليكون عبرة لغيره فأكيد له ذلك، ولن تكون تركيا بذلك استثناء على أي حال ففي الولايات المتحدة، وهي مدعية حماية حقوق الإنسان، يعاقب بعقوبة الإعدام، وفي بعض الأحيان إعدامات ميدانية بدون محاكمات، لمجرد قتل شخص واحد، والقتل كله بشع، فما بالك بمن يريد قتل وطن بأكمله!

وبالحديث عن الإعدامات فهناك أمر خطير تؤكده التجارب المماثلة السابقة سواء في تركيا نفسها أو في مصر بأنه لو تم الانقلاب على الشرعية الدستورية في تركيا، لا سمح الله، لتم إعدام القيادة السياسية وعلى رأسها الرئيس إردوغان، وبحسب الإعلام الإسرائيلي فلن يتباكى عليه آنذاك أحد، كما أن الخطير في الأمر برمته أنه لو نجح الانقلاب العسكري الفاشي ما كانت نتائجه لتخدم أحدا لا مصالح الداخل التركي ولا مصالح الغرب داخل أو خارج تركيا وهم يعلمون هذا جيدا، فمن شأن ذلك، يقينا، أن يحول شريحة مهمة تمثل الإسلام السياسي وهي منتشرة في كل أستطاع الأرض من دعاة للاعتدال إلى تبني، ولو بشكل انفرادي غير رسمي، مواقف متطرفة بعد أن يتبين لهم صراحة أن طريق المشاركة السياسية لا توصل إلى الحكم ولو ضدا على إرادة الشعب، فالمقصود بمشاركة حركات الإسلام السياسي 'الأصيل' في الحياة السياسية حينها، على ما يبدو، هو فقط تقديم صورة عن تعددية زائفة ينقلبون عليها بمجرد وصول هذه الحركات إلى السلطة الحقيقية.

إن الضربة التي لا تفتك بك أكيد تقويك ورب ضارة نافعة، فهذا الانقلاب الفاشي الغاشم الذي سقط بفعل الشجاعة النادرة للهبة الشعبية كما هي الشجاعة الفذة لمن يمثل هذه الشرعية الشعبية بحماية من الأمنيين والعسكريين المهنيين الشرفاء لا بد وأن ينتج عن آلامه تركيا جديدة أكثر حرية وأكثر تطورا على كل الأصعدة وخاصة في التعامل مع المعارضة السياسية الوطنية، وكل أطياف الشعب تستحق ذلك بدون ما استثناء، إن هذا الانقلاب الفاشل لهو سبب رئيس أن تتحول البلاد إلى النظام الرئاسي كما هو حال الكثير من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية، روسيا أو فرنسا وغيرهم، ذلك أن النظام الرئاسي يضمن قوة واستمرارية الدولة عند المنعطفات الخطير التي من شنها أن تزعزع استقرار الوطن، وهو ما من شأنه أيضا أن يقف في وجه أي محاولة انقلابية على الشرعية الدستورية على اعتبار أن الرئيس في هذا النظام هو فعليا القائد الأعلى للقوات المسلحة لكونه رمز للديمقراطية وهي أكبر من كل الشخوص مهما كبرت في عن الشعب.

تحية إجلال وإكبار إلى الشعب التركي قاطبة بمعارضيه الدستوريين قبل المؤيدين، وقد قدموا بتحالفهم الوطني العابر للإيديولوجيات والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة صورة للديمقراطية في أبهى وأجمل حللها، وشكرا لكم شعب تركيا الشقيق أن أبقيتم على منارة نور حقيقية تنير ظلمة كل الشعوب الإسلامية، شكرا لكم أن لقنتمونا درسا قاسيا في الديمقراطية بعد خروجكم بصدور عارية حماية لمسار الصناديق الشفافة وليختر الشعب ما يشاء.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس