د. علي حسين باكير - القبس 

وفقا لتقارير نشرت خلال الأسبوع الماضي، قامت الاستخبارات الروسية قبل ساعات من وقوع الانقلاب في تركيا بإبلاغ جهاز الاستخبارات التركي (MIT) باحتمال وقوع انقلاب في البلاد، وذلك بعدما اعترضت اتصالات بهذا الشأن، ما أدى الى إفشاله في النهاية. وكانت وكالة فارس للأنباء قد قامت بالتطرق الى هذا المضمون في تقرير لها في 20 يوليو نقلا عن موقع «رأي اليوم»، ثم قامت عدّة وسائل إعلامية بنقل الخبر عن تقرير وكالة فارس للأنباء.

وفي تفاصيل التقرير الذي أعدّته وكالة فارس وتضمّن ما قالت أنّه معلومات عن مصدر دبلوماسي في أنقرة، أنّ الجيش الروسي في المنطقة قام باعتراض رسائل حسّاسة تمّ تبادلها بين وحدات من الجيش التركي، بالإضافة الى اعتراضه رسائل مشفّرة على موجات الراديو تشير الى انّ الجيش التركي كان يعد لانقلاب ضد السلطات، وأنّ هذه المعلومات المتبادلة تضمّنت ارسال عدّة طائرات مروحيّة لإلقاء القبض أو قتل الرئيس رجب طيّب أردوغان.

وتحدّث التقرير عن أنّه لم يكن من الواضح أي من القواعد العسكرية الروسية قام باعتراض هذه المحادثات المشفّرة، لكنه أشار الى أنّ قاعدة حميميم العسكرية الروسية التي تقع شمال اللاذقية في سوريا مجهّزة بأحدث الأنظمة التي تخوّلها اعتراض وجمع المعلومات الحسّاسة.

إشكاليات وتساؤلات
لكن مثل هذا السيناريو يثير العديد من الإشكاليات بدلاً من أن يجاوب عن التساؤلات ومنها: اذا كان الأمر صحيحاً، فان إمكانية اعتراض الاستخبارات التركية لمكالمات داخليّة مشفّرة، اعلى بكثير من إمكانية ان تقوم قواعد عسكرية روسية أو غير روسية باعتراضها من الخارج، فضلا عن حقيقة انّه لم يتم تسجيل أي معلومة حتى الآن تشير الى انّ الانقلابين تبادلوا المعلومات والأوامر قبل الانقلاب مباشرة عبر اللاسلكي، فضلا عن ان يكونوا قد تحدّثوا بخصوص اعتقال او قتل الرئيس خلال ساعات من القيام بالعملية.

والحقيقة انّ المعلومات المتوافرة حتى الآن تشير الى عكس ذلك تماما، اذ يرى البعض انّ من أسباب فشل المجموعة التي قامت بالهجوم على مقر إقامة الرئيس أردوغان هو عدم قدرة قادة الانقلاب على التواصل مع المجموعة المكلّفة باعتقاله او قتله لإبلاغها بتقديم موعد العمليّة الانقلابية، وبالتالي بقيت المجموعة ملتزمة بموعدها الأساسي وعندما أغارت على المكان لم تجد الرئيس فيه.

وحتى لو افترضنا جدلاً صحّة ما تمّ ذكره في تقرير وكالة فارس، من غير المفهوم لماذا تكون مواقع الكترونية محسوبة على الجانب الإيراني أو مواقع إيرانية شبه رسمية هي من يزوّد الاعلام بمثل هذا الأمر عن دور روسي مفترض في إفشال العملية الانقلابية وليس وسائل الاعلام الروسية نفسها. لا بل من الاجدر ان تكون وسائل الاعلام الروسية هي أوّل من ينشر هذا الخبر لإعطائه القليل من المصداقيّة وليس العكس.

الكرملين يرد
قبل بضعة أيام، سأل أحد الصحافّيين المتحدّث الرسمي باسم الكرملين ديميتري بيسكوف عمّا اذا كانت الاستخبارات الروسية قد حذّرت بالفعل جهاز الاستخبارات التركي بخصوص احتمال القيام بعملية انقلاب في تركيا، فأجاب قائلا: «ليس لدي أي معلومة من هذا النوع بهذا الخصوص، ولا أعرف ما هي المصادر التي تمّ الايعاز إليها في خلق هكذا ادعاءات».

ومن الواضح أنّ جواب بيسكوف قد قطع الشك باليقين، لكن حتى لو لم يكن قد قرر بشكل حاسم بشأنها، فان المواقع التي نشرت هذا التقرير عن الدور الروسي «المفترض» لديها سجل حافل بالأخبار الخاطئة أو المغلوطة او الموضوعية، والتي لا تتمتع بأي مصداقية. وكالة فارس للانباء على وجه التحديد، كانت قد نشرت خلال الازمة تقارير تشير فيها بوضوح في العنوان والمضمون الى تورّط قطر والسعودية في محاولة الانقلاب الفاشلة، وأنّهما كانا يتمنيان نجاحها ما دفع الخارجيّة التركية للرد فوراً على هذه الادعاءات على اعتبار أن الهدف من نشر هكذا تقارير معروف سلفاً.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس