ترك برس

رأى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن  العلاقة التحالفية بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية قد تضررت بشكل كبير ولن تعود الى ما كانت عليه في الماضي، على الأقل في عهد حكم حزب العدالة والتنمية، مشيرًا أن تركيا سوف تتجه نحو مزيد من الاستقلال في سياستها الخارجية، وفي إقامة علاقات مع شركاء قد لا يروقون "للحليف" الأميركي المتخبط في سياساته.

وقال المركز في تقرير له حول "مستقبل العلاقات التركية - الأميركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة"، إنّ تصاعد التوتر بين تركيا والولايات المتحدة، إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة، يؤثر في جهد محاربة تنظيم الدولة "داعش"، كما أنه قد يعقّد جهد واشنطن في التوصل إلى اتفاقٍ مع روسيا في سورية بشأن التنسيق الأمني بينهما، فضلًا عن إيجاد حلٍ للصراع هناك.

وأشار التقرير إلى أنّ تركيا المتشككة في نيات الولايات المتحدة تجاهها قد تندفع نحو علاقات أكثر قوة مع روسيا، خصوصًا بعد أن تجاوز الطرفان مسألة إسقاط الطائرة الحربية الروسية في السنة الماضية، مشدّدا على أنّ هذا الأمر سوف يمثل ضربةً قويةً لجهد إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي ما فتئت تخسر مزيدًا من الحلفاء في الشرق الأوسط.

وأضاف التقرير: "لا يعني ذلك نهاية العلاقة بين الطرفين، فهذه العلاقة قائمة ومستمرة منذ بداية الحرب الباردة، سواء تحت إدارات ديمقراطية أو جمهورية، أو تحت أنظمة مدنية أو عسكرية في تركيا، وقد تجاوزت توترات كبيرة في السابق"، مبينًا أن "موقع تركيا الإستراتيجي، وأوضاع الشرق الأوسط السياسية والأمنية تجعل من تركيا شريكًا لا غنى عنه أميركيًا".

ولفت المركز العربي إلى أنّ تركيا ليست في وارد التخلي عن تحالفها مع الولايات المتحدة وعضويتها في "الناتو"؛ وهي العلاقة التي تشكّل جوهر عقيدتها الدفاعية فضلًا عن مساهمتها في إعطاء تركيا مكانتها الإقليمية والدولية.

وأوضح التقرير أن تركيا تعدّ الدولة المسلمة الوحيدة في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وهي تملك ثاني أكبر جيش فيه بعد الولايات المتحدة، ويملك الحلف والولايات المتحدة العديد من المنشآت العسكرية على أراضيها مثل قاعدتي إنجرليك وأزمير، وتستخدم قوات التحالف الدولي قاعدة إنجرليك في شنّ هجمات جوية على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سورية، كما أنّ فيها قاعدة تابعة للمخابرات الأميركية تخدم فيها نشاطها في سورية، ومنظومة إنذار مبكر تخص منظومة الدفاع الصاروخي الأوروبية التابعة للحلف.

أما أزمير فإنها تحتضن مقر قيادة القوات البرية لحلف "الناتو"، لذا، فإنّ حدوث أي شرخٍ في العلاقات الغربية مع تركيا، أو حتى حدوث قلاقل وعدم استقرار فيها، سوف يؤثر في قدرات "الناتو" على التعامل مع العديد من التحديات السياسية والأمنية في المنطقة، وكذلك في توازنات منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن تداعيات ذلك المحتملة على أمن أوروبا نفسها، بما في ذلك تدفق اللاجئين السوريين نحو حدودها.

ورأى المركز أنه بسبب حجم تركيا، وموقعها الإستراتيجي وحدودها مع سورية والعراق، فإنّ الولايات المتحدة تحتاج إليها في حربها على "داعش" وفي موازنة التمدّد الإيراني والروسي في المنطقة. وتخشى الولايات المتحدة أن يسفر جهد أردوغان في تطهير الجيش التركي، بما في ذلك فصل عشرات الضباط الكبار، عن حرمان المؤسسة العسكرية الأميركية من نظراء أتراك اعتاد القادة العسكريون الأميركيون على التواصل معهم في القضايا المتعلقة بالأمن القومي، بما في ذلك مبيعات الأسلحة والتدريبات العسكرية، فضلًا عن محاربة "داعش".

وكانت الحكومة التركية قد وافقت في صيف 2015 على السماح لطائرات التحالف الدولي باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية، بعد سنوات من الرفض، وهو ما أتاح للتحالف الدولي تحقيق إنجازات مهمة في حربه على هذا التنظيم. كما لا تخفي الإدارة الأميركية قلقها من أنّ الشرخ داخل المؤسسة العسكرية التركية ومحاولات إعادة ترتيب أوضاعها قد يشغلها عن ضبط الحدود الجنوبية مع سورية، ما يسمح "لداعش" بإعادة بناء نفسه واستقطاب مزيدٍ من المقاتلين الأجانب.

ولكن الولايات المتحدة - وفقا للتقرير - تجد صعوبةً، حاليًا، في الموازنة بين حاجتها الإستراتيجية إلى تركيا، وبين ما تعتبر أنه ردُّ فعلٍ مبالغٌ فيه من الحكومة التركية إزاء ملاحقة من تعتبرهم محسوبين على جماعة غولن في مؤسسات الجيش والأمن والقضاء والتعليم والإعلام، وغيرها من مؤسسات الدولة الأخرى.

ومع ذلك، فإنّ الولايات المتحدة ستجد نفسها مضطرة إلى التعاون مع تركيا مهما كانت حصيلة الحملة التي تقودها الحكومة لتطهير أجهزة الدولة من خصومها، كما أنّ واشنطن وحلفاءها لا يملكون وسائل ضغط فعالة لثني الرئيس أردوغان عن الاستمرار في جهده للقضاء على نفوذ ما يسميه "الكيان الموازي".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!