مراد يتكين - صحيفة حرييت - ترجمة وتحرير ترك برس

رئاسة الجمهورية أكدّت: "جاويد شاغلار كان له دورٌ مهم، وخلوصي أكار، ونور سلطان نازار باييف كان دورهم محوريا".

أول زيارة خارجية سيقوم بها رئيس الجمهورية أردوغان بعد المحاولة الانقلابية في 15 تموز/ يوليو، ستكون إلى روسيا، التي عاشت أزمة سياسية كبيرة مع تركيا حتى قبل 40 يوما، وسيجري اللقاء المرتقب في سانت بطرسبرغ، بضيافة فلاديمير بوتين.

أصيبت العلاقات الروسية التركية بحالة من الجمود، بعد إسقاط مقاتلات تُركية من نوع F-16، لطائرة روسية من نوع SU-24، بعد اختراق الأخيرة للأجواء التركية.

تعرضت السياحة لضربة قوية، وعاشت الشركات التركية في روسيا لحظات صعبة، كما أنّ الأزمة مع روسيا، أثرت سلبيا على دور تركيا في مواجهة حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وداعش في سوريا.

كان الكثير من رجال الأعمال الأتراك العاملين في روسيا، قد تدخلوا من أجل محاولة حلّ الأزمة، ومُنهم مَن قابل الرئيس الروسي بوتين، لكنهم لم يحصلوا على نتيجة. كما تدخل رئيس كازاخستان نور سلطان نازار باييف، ورئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف، وتوسطوا خلال مشاركة أردوغان في "قمة الأمن النووي" التي أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن بوتين لم يستجب.

في تلك الأثناء تحدث رئيس هيئة الأركان خلوصي أكار، عن اسم قد يساهم في إذابة الجمود مع روسيا، وحسب المعلومات التي حصلت عليها من مصادر رفيعة المستوى رفضت الكشف عن اسمها، فإنّ التطورات الماراثونية التي ساهمت في حل الأزمة وصولا إلى زيارة اليوم كانت على النحو التالي:

تحدث خلوصي أكار، عن أنّ "جاويد شاغلار" لديه علاقات استثمارية واسعة في جمهورية داغستان الروسية، مشيرا إلى أنّ "شاغلار" يعرف رئيس داغستان رمضان عبداللطيفوف منذ تسعينيات القرن الماضي وإبّان فترة وجوده كوزير في حكومة سليمان دميرال.

وكان عبد اللطيفوف في تلك الفترة، من مساعدي الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، بينما كان "أكار" في تلك الفترة، كبير مساعدي رئيس هيئة الأركان إسماعيل حقي.

شارك رجل الأعمال، والسياسي "شاغلار"، في العديد من المهام السرية التي قامت بها الدولة التركية في الماضي. على سبيل المثال، الطائرة التي ذهبت لاستلام أوجلان من جهاز CIA، كانت الطائرة الخاصة لشاغلار". ومع أنّ شاغلار عاش أزمات مالية مع بداية الألفية الجديدة، إلا أنه كان رجل ثقة بالنسبة للدولة، وعاد من جديد ليساهم في ترميم العلاقات بين روسيا وتركيا.

كشف خلوصي أكار، لرئيس الجمهورية أردوغان، وللناطق باسمه إبراهيم كالن، عن أنّ شاغلار استطاع فتح قناة تواصل مع بوتين عبر عبد اللطيفوف. وقد منح أردوغان الضوء الأخضر لرئيس الأركان كونه موضع ثقة. واجتمع أردوغان بأكار وبشاغلار بتاريخ 30 نيسان/ابريل، وقد كان بوتين يريد رسالة مكتوبة من أردوغان وليس كلاما، وكان "يوري أوشاكوف" هو الممثل الخاص عن بوتين في هذه المسألة. وأردوغان منح الضوء الأخضر من جديد لأكار، وبدأت العملية، والمسؤول التركي وممثل أردوغان في هذا الملف هو إبراهيم كالن.

بعد منحهم الضوء الأخضر، بدأ كالن بتحضير مسودة رسالة مكتوبة، وساعده اثنان من المترجمين المتمكنين من اللغة الروسية، وكان أيضا المترجم الروسي الخاص التابع لشاغلار موجودا في الواجهة. وكانوا ينوون كتابة الرسالة ليست باللغة الإنجليزية، وإنما باللغة الروسية والتركية فقط، وبدأ التواصل بين شاغلار وعبد اللطيفوف واشاكوف وكالن، على أنْ تصل في النهاية هذه الأمور إلى الكرملين.

وقد كانت الزيارات الدبلوماسية المكوكية لشاغلار بمثابة الأمل لعودة العلاقات، وازدادت هذه الزيارات سرعة في الأسبوع الثالث من شهر أيار/ مايو، وكانت الرسالة في ذهاب وإياب بين أنقرة وموسكو، ويتم مسح كلمات وكتابة كلمات مكانها، وتغيير مكان الفواصل، وتغيير المعاني.

اتصل سفير كازاخستان لدى أنقرة "جان سيد توميباييف" بكود "الاتصال المستعجل" بابراهيم كالن، الذي كان يتحضر للإفطار بتاريخ 22 حزيران/ يونيو، وأشار إلى أنّ نازارباييف قد التقى بالرئيس الروسي بوتين في بطرسبرغ، وأنه اذا جاءت الرسالة، سيتم إيصالها للرئيس الروسي. وعلى الفور أخبر كالن أردوغان بهذا الأمر، لكن أردوغان لم يكن جاهزا في تلك اللحظة لإرسال الرسالة، ولم يكن يريد كتابة رسالة فيها اعتذار ودفع تعويضات، لأنّ هذا يعني اعتذار تركيا ودفعها تعويضات لطائرة اخترقت الأجواء التركية.

في اليوم التالي، أي بتاريخ 23 حزيران/ يونيو، اتصل سفير كازاخستان مرة أخرى بكود "الاتصال المستعجل" بكالن، وأخبره بأنّ نازارباييف انتقل إلى طشقند عاصمة أوزباكستان، لحضور اجتماعات منظمة شنغهاي للتعاون، وأنّ الرئيس الروسي موجود، ويبدو انه سيقبل رسالة أكثر ليونة، وكان نازارباييف سيتقابل مع بوتين في اليوم التالي مرة أخرى، وكانت القمة تنتهي الساعة 13:00 بتوقيت طشقند من يوم 24 حزيران.

دعا ردوغان أكار إلى اجتماع، وذهب أكار إلى المقر الساعة 23:00، وتواجد هناك كالن، برفقة مترجمي اللغة الروسية، وكذلك حضر عاملون في سفارة كازاخستان لدى أنقرة، وكانوا يضعون اللمسات الأخيرة على الرسالة، وفضلوا استخدام كلمة "إزفينيته" بالروسية، بدلا من الاعتذار والتعويضات، وهي تعني "عفوا، اعذرونا"، ولا تعني "نعتذر". بينما تم استخدام جملة مساعدة عائلة الطيارين، بدلا من الحديث عن التعويضات. وقد وقّع أردوغان على الرسالة.

تم إخبار سفير كازاخستان، وأقلع كالن بطائرة تابعة للدولة، يوم الجمعة 24 حزيران، الساعة 03:00 فجرا، ووصل إلى إسطنبول الساعة 04:00 فجرا من أجل أنْ يأخذ معه شاغلار وطاقمه، ثم ركبوا في الطائرة مجددا، لكنها لم تستطع الإقلاع، لأنها يجب ان تحصل على إذن من الدول التي ستمر عبرها في طريقها إلى طشقند، وحينها تدخلت وزارة الخارجية التركية.

لكن الوقت كان ينفد، ويجب إيصال المكتوب قبل الساعة 13:00 بتوقيت طشقند، وإلا ستضيع الفرصة، ولذلك قرر كالن الإقلاع بالطائرة دون الحصول على إذن، وخاطر، واستطاعوا الحصول على إذن دخول أجواء جورجيا قبل 20 دقيقة من دخولها، واخذوا إذنا بدخول أجواء اذريبجان وهم يحلقون في أجواء جورجيا، وإذنا بدخول أجواء تركمانستان حصلوا عليه أثناء تحليقهم في أجواء أذربيجان، وكانوا في سباق مع الزمن، وكل الأذونات استطاعوا الحصول عليها عبر التواصل عبر واتساب من خلال "واي فاي" في الطائرة.

أثناء تحليقهم في أجواء تركمانستان واجهوا معضلة حقيقية، وهي أنّ أوزباكستان أغلقت أجوائها الجوية لاحتياطات أمنية كونها تستضيف قمة فيها العديد من رؤساء الدول، ولم يستطع احد الوصول إلى مسؤولين فيها، وحينها اقترح سفير كازاخستان بأنّ هناك إمكانية للهبوط في منطقة "تشيمكنت" القريبة من حدود أوزباكستان، واستخدام طائرة مروحية تابعة لكازاخستان للاقلاع والوصول إلى طشقند.

لكن كان هناك مشكلة أكبر، وهي أنّ الطائرة اضطرت للتحليق ساعتين في أجواء تركمانستان، ولم يتبق لديها وقود سوى ما يكفيها للطيران ساعة، وحينها تدخل رئيس كازاخستان "نازارباييف" مرة أخرى، وذهب إلى رئيس أوزباكستان إسلام كاريموف، وأخبره بوجود ضيوف من تركيا، وطلب منحهم الاذن لدخول أجواء أوزباكستان، وبالفعل منح الإذن بذلك.

وهكذا هبطت الطائرة بوقودها القليل في طشقند في تمام الساعة 12:15 بالتوقيت المحلي، وتوجه كالن وشاغلار مباشرة إلى مقر القمة، وكان ينتظرهم هناك نازارباييف، واستلم المكتوب، وعندما قرأه بالروسية، قال: "جيد"، عندها علموا بأنّ الرئيس الروسي يقيم في الغرفة المحاذية لهم، وقام نازارباييف بتسليم الرسالة إلى أوشاكوف، مستشار بوتين، من أجل تسليمها للرئيس الروسي، وقال نازارباييف لاشوكوف "اعتقد أنّ هذا مناسب"، وسلمه الرسالة وذهب.

عندما توجه أوشاكوف لتسليم المكتوب إلى الرئيس الروسي، قرر المسؤولون الأتراك الذهاب للسفارة التركية في طشقند والانتظار هناك، لكن قبل أنْ يغادروا المكان، اتصل اوشاكوف بكالن وأخبره "الرئيس قابل المكتوب بإيجابية، ومع أنّها أقرب للأتراك، لكنها مقبولة".

جلس الوفد التركي من جديد، وأخبرهم أوشاكوف بأنهم سيعلنون عن ذلك يوم 27 حزيران/يونيو، وبدوره طلب كالن أنْ يقدموا لتركيا فحوى التصريح الصحفي، وقبل بذلك الروس. وبعدها انتقل الوفد نحو مقر السفارة التركية في طشقند، وقبل توجههم لصلاة الجمعة، اتصل بهم أردوغان، وطلب منهم معلومات حول ما جرى، وأخبروه بأنّ الأمور إيجابية، وطلب التحدث مساء بالتفاصيل.

في ساعات صباح يوم 27 حزيران، وأثناء حديث الخارجية التركية عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل في روما، وصلت رسالة من روسيا، وهي مسودة التصريح والبيان الصحفي، ولم تعترض عليه رئاسة الجمهورية، وقام الروس بالإعلان عن البيان كما وعدوا، وأعلن بوتين يوم 29 حزيران عن بدء عودة العلاقات مع تركيا.

لم يتوقع أحد، أنه سيحدث انقلاب عسكري بعد 15 يوم، وكان الرئيس الروسي من أوائل الذين اتصلوا بأردوغان بعد المحاولة الانقلابية، وليس رؤساء حلف الناتو، وأول من جاء لزيارة تركيا كان الرئيس نازارباييف.

وقد كنت متخوفا من المؤتمر الصحفي بين أردوغان ونازارباييف يوم 5 آب/أغسطس، خفت أنْ يكشفوا عن هذه التفاصيل التي قمت بجمعها على مدار شهر، خصوصا عندما أكثر الصحفيون الكازاخستانيين من طرح الأسئلة، وكذلك عندما شكر ادروغان نازارباييف كثيرا.

وعن ذلك أخبرني كالن بأنّ "موضوعا هاما قد تم حله، وأنّ السيد جاويد كان له دور مهم، وخلوصي قدّم انتماء وحبا فريدا للوطن، من خلال عدم وجوده الرسمي في هذه المهمة، ونحن ممتنون أيضا لصداقة نازارباييف".

واتصلت بجاويد، وأخبرني بأنّ "كالن هو المتحدث باسم الدولة، وانا لن أقول شيئا أكثر مما قال، ولن استطيع التحدث بالتفاصيل".

هكذا كانت القصة الماراثونية للمجهودات السرية التي ساهمت بحل الأزمة الروسية التركية.

عن الكاتب

مراد يتكين

كاتب في صحيفة راديكال


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس