
ترك برس
تمر تركيا بتغيّر تاريخي جوهري يتسم بزيادة قوة المدنيين على حساب الانقلابيين العسكر الذين لطالما رأوا السلطة حقهم الذي يستردونه من الحكومات المدنية وقتما يشاؤون، تحت ذريعة تاريخية تمحورت حول انحراف الحكومات المدنية عن أسس ومبادئ العلمانية الديمقراطية التي رسمها القائد "الأعظم" مصطفى كمال أتاتورك.
هكذا يصوّر خبراء سياسيون أتراك المرحلة الحالية، مؤكدين أن الدستور والنظام الجديدين لتركيا، لا بد أن يشمل الهيكلة القانونية والمؤسساتية للجيش ويحذف مصطلح "التدخل العسكري" من قاموسه تمامًا.
ومن هؤلاء الخبراء حسن يالجين الذي رأى في مقاله بصحيفة صباح "هيكلة الجيش من جديد" أن المرحلة التاريخية التي تمر بها تركيا الآن، يقتضي هيكلة كافة مؤسسات الدولة وليس مؤسسة الجيش فقط.
ما تحتاجه تركيا لردع تدخل الجيش بشكل كامل حسب يالجين هو إجراء تغييرات جذرية وليس تغييرات مرحلية تقتصر على فصل بعض الجنود أو الجنرالات، موضحًا أن الأرضية السياسية والاجتماعية، الآن، أنسب ما تكون لإجراء تلك التغييرات المنشودة.
وأوضح يالجين أن التغييرات الثقافية والإدارية والمؤسساتية لا تفي بغرض الوصول إلى ما ترنو إليه تركيا، وهو القضاء على أي محاولة انقلاب محتملة بشكل كامل، بل أن التغيير الهيكلي الجذري لكافة أذرع الدولة هو الذي سيمنح تركيا وشعبها ما يطمحون إليه.
ووفقًا ليالجين، فقد قطعت الحكومة إلى الآن، خطوات مهمة فيما يتعلق بالإصلاحات الجذرية، وإن ما ينقص الحكومة هو خطة استراتيجية متكاملة تتناول هيكلة الجيش ومؤسسات الدولة الأخرى، وهذا يعني أن عملية التغيير المذكورة ستستغرق وقتًا طويلًا.
ويعتقد يالجين أن تركيا ستختار واحدًا من نموذجين لهيكلة الجيش في المستقبل من النماذج الأساسية لإعادة الهيكلة المُتبعة حول العالم:
ـ المركزية: بحيث تكون قيادة الجيش بيد سلطة مدنية مركزية واحدة تراقب تحركات الجيش بشكل صارم، وتحول دون أي خروقات للديمقراطية من قبلت. تكون القيادة العسكرية العليا على ارتباط وثيق ومستمر بالحكومة التركية التي تعيّن الكثير من المراقبين للقيادة والجيش. أيضًا في هذا النموذج، تملك الحكومة تغيير القائد الذي ترى فيه خطرًا مباشرة ودون الحاجة لانتظار انتهاء مدة خدمته أو موافقة مجلس الأمن القومي، وتُعيّن رئيس الأركان بنفسها، وليس استنادًا إلى التراتبية القيادية التي تُخرج رئيس أركان كل فترة بشكل تلقائي.
ويؤخذ على نموذج المركزية أن احتمالية اختراق تراتبية السلطة فيه سهلة جدًا، ويمكن أن يتم ذلك من خلال المراقبين أو من خلال وصول حكومة ضعيفة أو رئيس جمهورية ضعيف إلى سدة الحكم.
ـ اللامركزية: في هذا النظام لا تكون عملية اتخاذ القرار مركزة بيد مركز واحد بل بيد عدة مراكز تتخذ قرارات مشتركة. وتكمن مساوئ هذا النموذج في إمكانية سيطرة مجموعة معينة على مركز أو عدة مراكز للقرار مما يُحدث انقسامًا داخل هيكلة الجيش، وبالتالي ميلاد احتمال لانقلاب جديد كما حدث في 15 تموز/ يوليو.
يرى يالجين أن احتمال حدوث انقلاب عسكري حاضرٌ في النموذجين، وأن الحل الأمثل هو الاعتماد على إيجابيات كل منهما لسد الثغرات التي يمكن أن تفتح المجال لحدوث انقلاب،ـ مشيرًا إلى أن تنويع مراكز القوى داخل الجيش مع ربط قيادات هذه المراكز بالرئيس أو بالحكومة بشكل وثيق، سيكون النموذج الأمثل لهيكلة جذرية للجيش، بهدف إزاحة أي احتمال لنشوء عصابة انقلابية داخله.
ويُقدم يالجين نموذج الجيش الأمريكي كمثال حي للنظام الجامع ما بين المركزية وعدمها، موضحًا أن الجيش الأمريكي ينقسم إلى 3 جيوش و9 قيادات مركزية مختلفة، مما يوجد توازنًا قويًا فيما بينها، فالجيش الأمريكي يرتبط بالرئيس والكونغرس بشكل مباشر، وليس هناك أي تقسيم عملياتي له فكافة وحداته تعمل بتناسق مما يمنع أي احتمال لخروج وحدة من الجيش لتأسيس نظام وصاية.
وإلى جانب ذلك، يقترح يالجين تزويد كافة وحدات الجيش وحتى الشرطة بكميات متساوية من السلاح، بحيث تصبح قوات الدرك والقوات التابعة للداخلية أيضًا لديها عدد من الطائرات الحربية، الأمر الذي يولد توازنًا يقضي على أي محاولة انقلابية من جذورها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!