محمد حامد - خاص ترك برس

على الرغم مما قد يبدو على السطح من هامش الحرية الممنوح لوسائل الإعلام الإسرائيلية، فإنه يبقى في النهاية إعلاما مرتبطا بالمؤسسة الحاكمة، يسعى إلى خدمتها وتحقيق أهدافها، وكما جاء في البند الثالث من قانون الإذاعة والتليفزيون، فإن الهدف من الإعلام الإسرائيلي في المجالات كافة سياسية واقتصادية واجتماعية هو أولا إظهار الطابع الصهيوني لإسرائيل وكفاح اليهود وإبداعاتهم وأهم انجازاتهم على  جميع المستويات... والدفاع عن السياسة الإسرائيلية.

وخلال السنوات الماضية  كثف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مساعيه للسيطرة الكاملة على المشهد الإعلامي في إسرائيل، مستخدما السياسة نفسها التي يتبعها وزير دفاعه مع الفلسطينيين سياسة العصا والجزرة،  بحيث تكف وسائل الإعلام "المشاغبة" عن توجيه النقد له أو لسياسياته، أو الحديث عن فضائح زوجته. نتنياهو، كما يقول الصحفي والإعلامي الإسرائيلي دان شيلون، ليست لديه مصلحة في حرية الإعلام والرأي، وإنما يريد دُمى إعلامية تخدمه بإخلاص ونفاق.

وعلى هذا الأساس يمكننا أن نفهم ما يروج له بعض الأذرع الإعلامية لنتيناهو أو التي تسعى إلى تملقه من أن إسرائيل هي الرابح الأكبر من اتفاق المصالحة مع تركيا الذي أقره البرلمان التركي في مطلع الأسبوع الحالي. الاتفاق الذي انتقده كثير من المحللين السياسيين والساسة الإسرائيليين ووصفوه  باتفاق الاستسلام لأردوغان وشروطه، وأنه إهانة لإسرائيل، وفي المقابل يسعى إعلاميو نتنياهو إلى تلميع صورته أمام الرأي العام، وقلب الحقائق بالحديث عن عن الإنجازات الإسرائيلية من الاتفاق، بينما لم تحقق تركيا سوى صفر إنجاز.

قبل يومين نشر محلل الشؤون الأمنية يوسي ميلمان، مقالا في صحيفة معاريف، راح يعدد فيه ما وصفه بالمكاسب الإسرائيلية، ومنها كما قال أن أنقرة  تعهدت بإغلاق مقر القيادة العسكرية لحماس وطرد أعضائها من  تركيا، وتنازل أنقرة عن أي دعاوى قضائية ضد الجنود والضباط الإسرائيليين الذين شاركوا في الاعتداء على السفينة مافي مرمرة عام 2010، ورفض الطلب التركي برفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وشراء تركيا حصة كبيرة من الغاز الإسرائيلي من حقل لفيتان.

فماذا عن مكاسب تركيا من الاتفاق؟ وفقا لميلمان، فإن المكاسب التركية لا تتجاوز مكسب الكرامة، فإسرائيل قدمت اعتذارا عن حادثة مافي مرمرة، ودفع 21 مليون دولار تعويضات لعائلات ضحايا مرمرة.

الرد على مزاعم ميلمان يحتاج إلى كلام طويل، كفانا مؤنته جلعاد شارون، نجل رئيس الوزراء الأسبق أريئيل شارون، في مقال بعنوان "اتفاق الخنوع" قال فيه "اعتذرنا في الوقت الذي كان فيه على أردوغان أن يعتذر لنا، وسندفع تعويضات كبيرة لعائلات "الإرهابيين" وستبقى مكاتب حماس في تركيا، وسلطان الفقراء أردوغان التقى ثانية مع صديقه خالد مشعل. وإلى جانب ذلك كله سنتلقى إملاءات من الأتراك حول كيفية التعامل مع "إرهابيي حماس" في غزة.

وما يدعو للدهشة أن ميلمان رد على نفسه بنفسه وفي المقال ذاته في المسألة المتعلقة بإغلاق مقر حماس في تركيا وطرد أعضائها، حيث قال إن المؤسسة الأمنية تشكك في حدوث ذلك، وأن أردوغان سيواصل دعمه لحماس. والأغرب أن البند الذي تحدث عنه ميلمان لم ينص على إغلاق مقر حماس أو طرد أعضائها، لكنه تحدث عن تعهد تركيا بمنع أي عمل عدائي ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي التركية.

وأخيرا ماذا عن المكسب الإسرائيلي من تصدير الغاز إلى تركيا بكميات ضخمة تسمح بتطوير حقل لفيتان المتعثر ووصول الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا؟ نعيد هنا ما كتبه المحلل الاقتصادي إيريز تسادوق الذي قال "عندما وقعت إسرائيل اتفاق التسوية (الخضوع ودفع تعويضات للإرهابيين) قلنا إن ذلك حدث بصورة غير ذكية، فقد أعطينا لأردوغان كل ما يريده دون الانتهاء من تفاصيل انتهاء الغاز. وإذا أراد أردوغان الغاز فإن التوقيع على الاتفاق وضعنا في موقف الدونية في المفاوضات، لأن لديه بديل ويمكنه الاستغناء عن الغاز الإسرائيلي، بينما حقل لفيتان لا يمكنه الاستغناء عن أردوغان.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!