كمال أوزتورك – صحيفة يني شفق - ترجمة و تحرير ترك برس 

شرع المستشارون والدبلوماسيون الأمريكان بمناقشة الملفين التركيين بمجرد إقلاع طائرة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن من مطار ريغان. كما عمدوا إلى وضع رجل أمريكا الثاني في صورة ما قد يحدث عند هبوط الطائرة (بالرغم من عدم امتلاكه صلاحية تنفيذية).  

لماذا أراد بايدن احتضان الجميع؟

كان الملف السوري أولى الملفات التي تمت مناقشتها. وذلك بتقديمهم تفاصيل عن العملية السرية التركية المتواصلة على امتداد عشرة أيام. "لقد دخل الجيش التركي إلى سوريا ويتقدم باتجاه منطقة جرابلس".

أما الملف الثاني فكان حول تنظيم غولن الإرهابي، وهو الموضوع الأكثر حرجًا بالنسبة إلى العلاقات التركية الأمريكية حاليًا. وفيما يتعلق بهذا الموضوع فقد تم التذكير بحقيقة أن الولايات المتحدة لن تسلم زعيم التنظيم غولن إلى تركيا، ولكن ينبغي عليه في الوقت نفسه توجيه رسائل وانطباعات ودية إلى تركيا تحسن من علاقاتهم. عندها نظر نائب الرئيس إلى مستشاريه وابتسم بأسلوب شبه ساخر ومرتبك في الوقت ذاته.

وبينما كان خبر دخول القوات المسلحة التركية إلى سوريا يتردد صداه حول العالم هبطت طائرة بايدن في أنقرة. وبدأ باحتضان ومصافحة كل من استقبله في المطار، على أمل توجيه رسائل ودية. وشمل ذلك السفير الأمريكي، ومساعد والي أنقرة، وقائد الحامية العسكرية، محافظ المنطقة وضباط في الشرطة. ولكن هذا الانطباع الودود الذي سعى إلى تقديمه لم يكن مقبولًا لدى الجميع، لأنهم بانتظار ما سيقوله بشأن تنظيم غولن.

في حين لم يستطع بايدن إخفاء دهشته أثناء تجواله في مبنى البرلمان التي تعرض للقصف. كما لم يستطع إيقاف نفسه عن القول بإن "15 من تموز/ يوليو يعد بمثابة 11 من أيلول/ سبتمبر التركي، وأتمنى لو لم يكن غولن مقيمًا في الولايات المتحدة الأمريكية" بينما حاول احتضان رئيس البرلمان إسماعيل كهرمان. ثم احتضن موظف البرلمان الثاني.  

تحرّك القلعة من مكانها الذي علقت فيه

في الواقع إن تركيا تبدو كالقلعة في لعبة شطرنج. حيث عمد المنافسون، الملك والملكة، إلى حشرها في الزاوية. كما حاولوا إسقاط هذه القلعة بحصان الشطرنج (حصان طروادة) دون جدوى.

وفي نهاية المطاف، تمكنت تركيا من الخروج من المكان الذي علقت فيه والعودة إلى اللعبة. بداية قامت تلك القلعة بسحق الحصان، والتوجه فيما بعد نحو سوريا من أجل سحق كافة البيادق. في وقت لم يكن لدى الولايات المتحدة الأمريكية القوة الكافية لإيقاف ذلك. ولهذا السبب صرح بايدن في مؤتمره الصحفي بأن قوات حزب الاتحاد الديمقراطي سوف تنسحب فورًا من غربي الفرات مشيرًا إلى عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في التضحية ببيادقها.

وبالتالي فإن تحرير تركيا من المكان الذي علقت فيه وعودتها إلى اللعبة يعني البدء في تغيير مصير تلك اللعبة. ولن تقتصر العملية على غربي الفرات فحسب.

إخفاق السياسة الأمريكية

إن إعلان كل من روسيا، وإيران، وتركيا والمملكة العربية السعودية عن التوصل إلى إجماع حول الحفاظ على وحدة الأراضي السورية يعني تحطم آمال الولايات المتحدة الأمريكية في إقامة حزب الاتحاد الديمقراطي دولة كردية شمالي سوريا. ولهذا السبب لا تملك الولايات المتحدة خيار آخر سوى الاتفاق مع تركيا.

ومن ثم تطهير المنطقة الواصلة من الفرات إلى اعزاز (مسافة 93 كيلومتر شرق-غرب) والمنطقة من جرابلس إلى الباب (مسافة 50 كيلومتر شمال-جنوب) من داعش والحزب. مما يعني إقامة منطقة آمنة غير معلنة.

وبناء عليه فإن لوحة الشطرنج هذه أعطت المؤشر الأول على حدوث تغيير راديكالي جدًا بالتزامن مع انطلاق هذه العملية. ومرة أخرى أصبح لدى تركيا الأفضلية معنويًا في هذه اللعبة أو الميدان. والتوقع بإن تزيد هذه المعنويات العالية من نجاح هذه القلعة.

تغيرات عظيمة ستشهدها المنطقة

 أشار رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني خلال زيارته مبنى البرلمان التركي عقب زيارة بايدن الذي توقع أن تؤدي التطورات الحاصلة إلى تغيير كافة التوازنات في المنطقة، إلى قيام تغييرات كبيرة أيضًا.

مما لا شك فيه أنه كان يومًا تاريخيًا. لأنها المرة الأولى منذ عام 1915 التي يدخل فيها الجيش التركي بواسطة دباباته، ومدافعه، وطائراته علانية إلى الأراضي السورية. في حين خففت هذه المعنويات العالية الناشئة في البلاد قليلًا من وطئة الحزن على شهدائنا وضحايانا المدنيين.  

ولكن ينبغي إدراك أنها لن تكون مجرد عملية محدودة. لأن عودة هذه القلعة التي لجأ إليها المظلومون لمتابعة اللعبة ونيلها الأفضلية يعني أننا سنشهد عمليات مستقبلية متواصلة.

وكالقوس المشدود، ستقوم تركيا بحركة قوية مثل رمي سهم: مشدود في البداية ومن ثم الإطلاق. 

عن الكاتب

كمال أوزتورك

إعلامي صحفي تركي - مخرج إخباري وكاتب - مخرج أفلام وثائقية - مدير عام وكالة الأناضول للأنباء سابقًا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس