عبد الله مراد أوغلو - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

إن تَعرُّف وتحديد أي دولة الخطر الذي يداهمها هو حق لهذه الدولة، ولا يحق لأي دولة أن تحدد أو تعين أي "عدو" أو "خطر يداهم" دولة أخرى. فالدول تمرر ما تتعرض له من تهديدات تستهدف نفوذها وحاكميتها ومصالحها الوطنية من خلال غربال خاص تستخلص من خلاله الدول العدوة وما يشكل خطرًا على وجودها وكينونتها وتتخذ الإجراءات التي تحميها وتحصنها ضد هذا الخطر، وبالتالي تركيا وكأي دولة ذات نفوذ مُكلّفة بتحديد الأخطار "القريبة" منها و"البعيدة" ومكلفة بحماية مصالحها الوطنية ونفوذها ضد هذه المخاطر، وليس بالضرورة أن يعتبر "خطر داهم قريب" لإحدى الدول خطرا على الدول الأخرى كذلك، لكنه قد يشكل  للدول الأخرى "خطرًا بعيدًا" أو يمكن أن لا يشكل أي شكل من المخاطر، وبمثل هذه الظروف يتم اتخاذ الموقف المناسب بناء على بعد مصدر الخطر وعلى نوعه، وهذا ما تقوم به كل الدول. لكن عندما يكون موضع الحديث والنقاش هو إحدى الدول الصديقة أو الحليفة فإن الموقف يختلف إذ تتفهم الدول الأخرى الوضع والتهديد وتظهر لبعضها البعض المساندة، وهذا أمر متوقع وحق لتلك الدول.

الموقف الذي أظهرته الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية إزاء الأحزاب والميليشيات العسكرية التي تعرفها تركيا على أنها خطر داهم يحتاج لإعادة نظر في معنى الصداقة الدولية والمساندة. فالموقف من جماعة غولن ومن داعش ومن حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب متفاوت ومختلف بين الدول، فبعض الدول التي ترحب بقتال داعش تصفق لأعمال جماعة غولن وتحميها وتتبرم عندما يدور الحديث عن وحدات حماية الشعب التي تتمتع كذلك بحمايتها. ومع اختلاف طبيعة هذه الأخطار وتأثيرها ومقياس ما تشكله من تهديد تبقى هذه الأخطار مسألة متعلقة بالأمن الداخلي لدولتنا، فتركيا تتأثر بشكل مباشر فيما يجري داخلها كما تتأثر بما يدور قرب حدودها، ونحن لا نتحدث عن أحداث تجري في منغوليا أو نيوزيلاندا بل عن تغيرات تجري أحداثها على الطرف الآخر من الحدود ومن حق تركيا أن تحدد هذه الأخطار وأن تتخذ الإجراءات اللازمة لوقفها. وإذا ما امتنعت الدول "الصديقة" أو "الحليفة" عن مد يد المساعدة وتقاعست عن تقديم العون فماذا ننتظر من الدول التي لا تربطها بتركيا علاقات أو تلك التي على عداء مع تركيا.

كل مجريات الأحداث تشير إلى مساعي لإنشاء "كيان النفاق" على الحدود الجنوبية لتركيا، الأمر الذي يتعلق بأمن تركيا الداخلي ويمثل خطرًا على تركيا واستقرارها في المستقبل ويشير كذلك إلى زرع "كيان فاسد" من شأنه أن يزعزع أمن المنطقة واستقرارها، ولا أعلم لماذا تثير مساعي تركيا لوقف هذا الكيان ومنع إنشائه حنق وغضب "الأصدقاء البعيدين".

بارك أوباما الرئيس الأمريكي في إجابته على أسئلة فريد زكريا على محطة سي أن أن (CNN) التلفازية أفاد بأن محاولة انقلاب جماعة غولن هي محاولة غدر غاشمة، وقال: "تخيل معي الصعوبات التي كنا سنواجهها لإعادة الاستقرار للبلد وكم الصعوبات الذي كنا سنواجه لو حدث شيء مشابه في الولايات المتحدة". الحقيقة أنه لا داعي للخيال إذ إن نعمان كورتولمش نائب رئيس الوزراء التركي قال إن محاولة انقلاب الخامس عشر من تموز/ يوليو تمثل لتركيا ما تمثله أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر للولايات المتحدة الأمريكية، بل وأكثر من ذلك. أوباما الذي حاول أن يُبدي التعاطف مع تركيا ضد محاولة الانقلاب الغاشمة لم يتطرق إلى غولن المحفز لهذا الانقلاب والذي يقيم في بلاده. فريد زكريا بدوره لم يوجه للرئيس الأمريكي السؤال بخصوص تسليم غولن لتركيا، المسألة التي يمكن أن تتسبب بنشوب أزمة بين البلدين.

الولايات المتحدة وتحت حجة أن أفغانستان تؤوي المحفز والمسبب الرئيسي لأحداث الحادي عشر من أيلول قامت باحتلال تلك الدولة وتركيا كدولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ساندت الولايات المتحدة الأمريكية بموجب المادة الخامسة من المعاهدة. عنوان غولن معروف، فهذا الشخص الذي ترى فيه تركيا زعيمًا لتنظيم إرهابي يعمل ضد مصالحها يقيم في بنسلفانيا ومن هناك يرسل الفيديوهات المصورة ويتحدث لقنوات التلفزة ويلقن مُريديه وتلاميذه التعليمات والدروس. إذا كان الوضع الراهن بكل ما فيه من تفاصيل لا يوجب علينا أن نعيد النظر في معنى "المحالفة" و"الصداقة" و"التعاطف" فما الذي يجب أن تفعله تركيا إذًا؟

عن الكاتب

عبد الله مراد أوغلو

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس