محمود عثمان - خاص ترك برس

كشفت المعارضة السورية رؤيتها للحل السياسي في سورية، خلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة "أصدقاء سورية" في العاصمة البريطانية لندن، حيث قدم المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، الدكتور رياض حجاب، رؤية المعارضة السورية تحت عنوان "الإطار التنفيذي للعملية السياسية".

المعارضة السورية تصر على "أن يكون الحل في سورية عادلًا، يلبي مطالب الشعب السوري، ويحمي مجتمعه، ويصون دولته، وأن لا يكون لبشار الأسد وأركان حكمه أي دور في مستقبل سورية". وقد أكد حجاب أن رؤية المعارضة "هي لكل السوريين، ولا تستثني أو تقصي أي شريحة من المجتمع السوري، وقابلة للتطور وفق تطلعات الشعب السوري"، مشيرا إلى أن "المعارضة تريد سورية وطنا لكل السوريين، والانتقال بالبلاد إلى مرحلة المساواة، والعدالة".

وقال حجاب إن المعارضة تدعو إلى إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية لتتحول إلى حامية للسوريين وبلادهم، وليس لتعذيبهم، وقتلهم، موضحا أن "أمام الإدارة الأمريكية وأوروبا مسؤولية في تحقيق الانتقال السياسي الحقيقي"، وأن "أكثر من نصف السوريين باتوا خارج بلادهم، بسبب الحرب التي يشنها الأسد عليهم بدعم روسي وإيراني"، داعيا إلى "طرد بشار الأسد وأركان حكمه خارج سورية".

وتتضمن الرؤية المكونة من 21 صفحة ثلاث مراحل لتطبيق الانتقال السياسي والذهاب بسورية إلى نظام حكم جديد، وفق قراري 2118 و2254.

وتنقسم عملية الانتقال السياسي، وفق رؤية المعارضة، إلى مرحلة تفاوضية ومدتها ستة أشهر، وتبدأ على أساس إقرار جدول أعمال، بما يعكس المبادئ التي جاءت في بيان جنيف، الذي تم تبنيه في القرار 2118 والقرار 2254، والتي يلتزم فيها الطرفان بهدنة مؤقتة، على أن يتم خلال هذه المرحلة وضع الأسس العملية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن، بالتزامن مع التنفيذ الفوري وغير المشروط للبنود الإنسانية (12-13-14)، التي تضمنها القرار 2254، والتي تشمل "وقف القصف ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وإيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين، وإطلاق سراح المعتقلين".

بالتوازي مع  مؤتمر لندن كانت العيون متجهة نحو جنيف حيث تجري هناك مباحثات بين الروس والأمريكان، خلف الأبواب المقفلة، بهدف إيجاد صيغة توافق بينهما حول أسس حل الأزمة السورية، فيما تم استبعاد ليس طرفي الصراع السوريين وحسب، بل جميع الأطراف والقوى التي لها يد بشكل أو بآخر في المسألة السورية، مما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتصريح "بأن لا حل يمكن فرضه في سورية من دون علم تركيا وأخذ موافقتها".

حتى الآن لا أحد يستطيع التكهن بما يمكن أن يتوصل إليه الجانبان من تفاهمات، إذ أن التصريحات التي صدرت عن الجانبين، الأميركي والروسي، لم تحمل أية إشارة تفيد بأنهما قد اقتربا فعلا من حالة اتفاق حول صيغة ما. ومما يزيد الموقف غموضًا وتعقيدا التكهنات بأن الأمريكان لن يفعلوا شيئا قبل الانتهاء من انتخاباتهم الرئاسية.

لائحة الاتهامات والتشكيك في النوايا بين الروس والأمريكان طويلة، ومن شأنها عرقلة أي تفاهم بينهما. حيث يقول الأمريكان بأنه سبق للروس أن أعطوهم ضمانات بإيقاف القصف وإعلان هدنة مؤقتة للقتال، إلاّ أنهم – الروس - لم يلتزموا بها، إضافة إلى أن طائراتهم الحربية كانت تقصف مواقع الجيش الحر التي يساندهـا الأمريكان ويعدونها معتدلة بدلا من أن تقصف مواقع تنظيم داعش الذي لم ينل من قصف الطائرات الروسية أي أذى، كما قدم الروس ما يكفي من العنف ما يؤكد أنهم عازمون على إلحاق أكبر قدر ممكن من التدمير في المدن السورية الخاضعة لسيطرة الفصائل الأخرى المعارضة للنظام، وحربهم على تنظيم داعش لم تكن إلاّ في إطار التصريحات فقط، بينما الواقع كان يقدم الكثير من الأدلة على أن القصف الروسي على مواقع المعارضة السورية يذهب بالنتيجة لصالح تمدد تنظيم داعش في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر.

مقابل ذلك، فإن الروس يجدون شكوك الأمريكان ناحيتهم ليست في محلها، وأن المشكلة تكمن في الأمريكان أنفسهم وفي من يتحالفون معهم من الفصائل المسلحة ويعتبرونهم فصائل معتدلة، لأن جميع المسلحين المعارضين للنظام في نظر الروس مجرد إرهابيين، ولا فرق بينهم وبين تنظيم داعش أو جبهة النصرة.

التدخل العسكري الروسي إلى جانب نظام الأسد كان سعيا من بوتن إلى تحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بتوسيع مجالهم الحيوي، وتوسيع قواعدهم العسكرية في سوريا، وتأمين وصول الغاز الروسي عبر السـواحل السورية المطلـة على البحر الأبيض المتوسط، ومحاولة استثمار المسألة السورية بأكبـر قدر ممكن مـن الابتزاز للضغط على الأمريكان والدول الأوروبية لكسب نقاط في قضايا أخرى لا صلة مباشرة تربطها بالمسألة السورية، مثل الصراع في أوكرانيا.

أما مسألة الدفاع عن شرعية نظام بشار الأسد والادّعاء بالحفاظ على سلامة ووحدة الأراضي السورية ورفض خيارات التقسيم , فقد كانت لعبة تضليل وخـداع للتغطية على النوايا والأهداف الحقيقية التي تسعى إليها بعيدا عن الأرض السورية.

دخول القوات المسلحة التركية  إلى الأراضي السورية، أضاف بعدا آخر على المعادلة السورية المعقدة، فقد ساهم في دحض مقولة الأمريكان بأن لا أحد في سورية يمكنه مجابهة تنظيم داعش سوى ميليشيات صالح مسلم، إذ تم دحر تنظيم داعش بعيدا عن الحدود التركية، والعمل جار لجهة المضي قدما في الحرب على هذا التنظيم الإرهابي وهزيمته نهائيا. يأتي ذلك بالتوازي مع ايقاف تمدد المليشيات الانفصالية الكردية غربا. هذه الميليشيات التي تغولت على السوريين في الشمال، فقامت بعمليات قتل وتدمير وتهجير للمكونات الأخرى، ضمن مخطط تغيير ديمغرافي عبثي، تمهيدا لفرض أجندتها الانفصالية.

في المحصلة، الأطراف المحلية مهما بلغت من الضعف والإنهاك، فإنها دائما تملك القدرة الكافية لعرقلة أي اتفاق قد يبرم بمعزل عنها. ناهيك عن أزمة الثقة الحادة بين الأمريكان والروس، وحرص كل منهما على إلحاق الهزيمة بالآخر، سواء في سورية أو في غيرها من بؤر الصراع والتجاذب بينهما.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس