وداد بيلغين  - صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك

يجد كل من يقف ضد عملية السلام أسبابا مختلفة ومتنوعة لتبرير موقفهم. فقبل كل شيء كانوا يقولون أن عملية السلام هي "مشروع قومي" ثم انتقلوا ليصفوها بأنها "مشكلة كردية" ليطلقوا العنان للشارع للتعبير عن غضبه المتزايد نتيجة "خوفه" الحقيقي من عدم حل"مشكلة الأكراد" كما يريد. فهؤلاء فعليا لم ينطلقوا من أجل تحقيق عملية السلام، بل إن مبدأهم الأساسي هو "تمزيق تركيا"، والدليل على ذلك حالة الهلع التي عاشوها منذ أن أعلن اردوغان أنه بدأ "بتفعيل عملية السلام"، وللخروج من حالة الهلع هذه، ولمحاولة تحقيق أهدافهم من جديد، بدؤوا بمحاولة زج البلاد وما حولها بموجة من أعمال العنف والارهاب.

ولهذا تحمّسوا جدا للأحداث التي قام بها داعش وتحديدا في كوباني، وبناء على ذلك سمعنا تصريحات مؤخرا وخصوصا في بداية الأحداث مفادها أنّ "عملية السلام قد فشلت، وانتهت".

مَن يعمل؟ ولصالح مَن؟

لا شك أن عدد المنظمات التي تحاول التأثير على عملية السلام بين الأكراد والدولة التركية ليس بقليل، إلى جانب رؤية الغرب والاستخبارات الغربية الواضحة المعالم تجاه عملية السلام. ولا شك أيضا أنّ العديد من الكتاب والصحفيين والأكاديميين يأخذون دورا في هذه المحاولات. ولأنهم يعتبرون أنفسهم جزءا من الفريق الأوروبي الذي يسعى لتدمير عملية السلام، فإنهم مسرورون جدا للأحداث والتطورات التي جرت مؤخرا.

هؤلاء جميعا فقدوا كل ارتباطاتهم بتاريخ وحضارة تركيا، حتى إنهم أدمنوا على "الأيدولوجية الغربية والعلمانية" لدرجة أنهم اصبحوا يكرهون كل شيء "محلي"، لهذا فإنهم أصبحوا يرون أن السير مع أصدقائهم الغربيين ليس خيانة وإنما أسلوب وتصرف منبعه الأساسي ما يدور بداخلهم من فكر وثقافة.

ووصلت الدرجة عند بعضهم أن يصف ما يقوم به بجزء من الأخلاق، فلا يمكننا استغراب أنّ من وصل إلى هذه الدرجة من التفكير، قد أصبح جزءا من مشروع غربي هدفه الأساسي تدمير "عملية السلام" بين الأكراد والأتراك، بل لا نستغرب دفاعهم عن السياسية الغربية تجاه تركيا. وليس من الصعب إطلاقا ملاحظة التقارب الشديد في وجهات نظر الدول الأوروبية المختلفة حول "مشكلة الأكراد".

مشروع مَن؟

إذا أردنا التحدث باختصار، فإن ملخص ما أود قوله هو التالي: الغرب يريد اليوم تطبيق مسألة انفصال الأكراد عن الدولة التركية، هذه المسألة الذي يعتبرونها بقيت عالقة منذ إنهاء الامبراطورية التركية قبل قرن. فهم يريدون اليوم "حل المشكلة الكردية" من خلال تمزيق تركيا، ويريدون "أن يحصل الأكراد على مستوى مرموق في القانون الأساسي، فيُعطى لهم حق إدارة شؤونهم في بلداتهم، يليها البحث عن تطبيق حُكم ذاتي لهم، لينتهي الأمر في المحصلة بطلب الاكراد بالاستقلال السياسي والجغرافي عن الدولة التركية".

ولهذا سمعنا في الأيام الأخيرة بعض قيادات المعارضة التي زارت جبل قنديل لتخرج لنا بتصريحات مفادها "لن نتخلى عن المواجهة، فالظروف لصالحنا" ويقولون "هل الآن وقت الحديث عن عملية السلام؟"، كل هذه التصريحات تفسّر فعليا ما يصبوا إليه هؤلاء. الأقوال هذه منبعها "الهزيمة النفسية" التي تعرضت لها المعارضة بعدم وصولها للحكم منذ فترة طويلة، فكما حاولوا سابقا وبصورة مكثفة جدا للتاثير على عملية السلام بين الدولة التركية والأكراد من أجل "اسقاط" اردوغان، بدءوا الآن نفس الحملة لكن بطريقة مختلفة للتأثير على رئيس الجمهورية.

وهنا لا بد من توضيح أن هؤلاء يرقصون فرحا لأن "تركيا تنقسم"، وهم جزء من لعبة، وبتعبير أصح هم جزء من ألعوبة أجنبية، لهذا فإنهم منزعجون جدا من نجاح تركيا وللمكانة التي وصلت إليها في المنطقة. لكن ذلك لن يستمر طويلا، فأكراد هذه الدولة، وتركمانها، وعلويوها، والسنة وكل الشعب يعرفونهم على حقيقتهم. الشعب يعي جيدا أن هؤلاء بتفكيرهم منذ سنوات قد حاولوا مرارا وتكرارا أن يفسدوا حالة الوحدة والتآخي بينهم لكنهم كما لم يفلحوا سابقا، لن يفلحوا مجددا.

عن الكاتب

وداد بيلغين

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس