توماس دي وال - كارنيغي أوروبا - ترجمة وتحرير ترك برس 

في أوائل شهر أغسطس/ آب كان هناك كثير من التكهنات حول الآثار الجيوسياسية للمصالحة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، بعد أن سويا علنا نزاعهما الذي استمر ستة أشهر.

تسبب اجتماع سانت بطرسبرغ بين الزعيمين في التاسع من أغسطس في إصابة بعض الدوائر الغربية بخفقان القلب، مثلما قصد الرجلان تماما. كانت هناك بعض التوقعات، لما أسماه خبير أمني "الميل التركي نحو روسيا"، بتشكيل محور روسي تركي جديد يتحدى الغرب على عدة جبهات.

هذه التنبؤات مبالغ فيها إلى حد كبير. لكن التقارب الجديد بين موسكو وأنقرة يدل على شئ آخر: صعود مفهوم روسيا لتعدد القطبية على حساب التعددية التي يقودها الغرب.

أراد الرئيسان دون شك الإشارة إلى استيائهما من الغرب. أراد أردوغان تسجيل عدم رضاه عن زعماء الغرب الذين لم يدعموه دعما صريحا لا لبس فيه، كما كان يأمل بعد إخفاق الانقلاب العسكري في تركيا في يوليو/ تموز، وبسبب انتقاداتهم المستمرة لأساليبه.

كان لدى روسيا وتركيا سبب وجيه للتصالح بعد نصف عام من جمود العلاقات. لم تُرد كثير من الجهات الفاعلة، من أذربيجان إلى الدول التركية في آسيا الوسطى، أن تنحاز لأحد طرفي النزاع، وناشدت البلدين تسوية خلافاتهما. وقد تأثر الاقتصاد التركي بانخفاض عدد السياح الروس، والحظر الروسي على واردات البضائع التركية. تريد روسيا أن تقلص اعتمادها على أوكرانيا طريقا لتصدير الغاز، وأن تحيي مشروع  خط أنابيب السيل التركي المتعثر الذي يمر عبر البحر الأسود.

وعلاوة على ذلك، وكما لاحظ كثيرون، فإن أردوغان وبوتين يتشاركان في الشخصية المشاكسة، والحساسية من الهيمنة المحسوسة للإجماع الليبرالي الغربي على الشؤون العالمية. هذه الحدة أيضا تغطي الإحساس المستمر بانعدام الأمن، فالروس والأتراك يميلون إلى الاعتقاد بأن أوربا غير عادلة مع البلدين الكبيرين الواقعتين على خاصرتها. وكما يرى الأتراك والروس فإنهما يعزلان بقية القارة عن مجموعة كبيرة من المشاكل القادمة من الشرق والغرب.

على أن تلريخ البلدين وجغرافيتهما يفرضان أنه لن يكون هناك محور أوروآسيوي جديد. البلدان هما وريثا الإمبراطورية الروسية والعثمانية، القوتين اللتين تصارعتا باستمرار عبر البحر الأسود منذ عصر كاترين العظمى، وخاضا ما لا يقل عن 12 حربا.

يحتاج الأمر إلى أكثر من لقاء ودي بين زعيمي تركيا وروسيا للتغلب على هذا الإرث. ليس بمقدور البلدين التغلب على هذا الإرث، كما أنهما لا يستطيعان بالمثل حل القضايا ذات الجذور العميقة مع إيران القوة الكبرى في هذا المثلث الإقليمي (وكمثال على ذلك، ففي الآونى الأخيرة بدا أن روسيا وإيران تتعاونان تعاونا وثيقا في سوريا أكثر من أي وقت مضى، ثم تراجع التعاون علنا).

لا تزال محفزات القرون القديمة حية، فالقيصر الروسي يمثل المدافع عن المسيحيين في المناطق الحدودية الأوروآسيوية والشرق الأوسط، والسلطان العثماني يدعى الدور نفسه بحماية المسلمين السنة.

لذلك يبرر بوتين  تدخل روسيا في سوريا بأنه مهمة لحماية المسيحيين من المتطرفين السنة المدعومين من تركيا. لا يزال بوتين يسعى إلى أن يكون أفضل أصدقاء اليونان، وسوف تغضب الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لإلغاء الحكومة التركية المراسم السنوية في دير سوميلا قرب طرابزون في شمال شرق تركيا. وعلى العكس من ذلك فإن السياسة الداخلية التركية وقناعة الأتراك الحقيقية تتطلب أن يكون أردوغان بطلا لتتار القرم في أوكرانيا، والغضب من ضم روسيا لشبه الجزيرة في عام 2014.

في سوريا يبدو أن البلدين توصلا إلى صفقة تكتيكية للتعاون ضد ما يسمى الدولة الإسلامية في شمال سوريا، لكنهما لا يزالان يدعمان أطرافا متصارعة في معركة حلب. هناك تقارير تفيد أن سفير روسيا في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، ما يزال ينتقد تركيا بتوجيه الاتهامات نفسها التي كان يوجهها عندما كان الخلاف بين موسكو وأنقرة في أوجه.

ولذلك فإن مصالحة أردوغان وبوتين لا تبدو سوى صفقة تجارية بأهداف محدودة وسبب اقتصادي  أكثر منها إلى تحالف استراتيجي جديد. وبعبارة أخرى فإنها صفقة أكثر تعقيدا في عالم يقل فيه التناغم والتعاون الأممي بفضل تصويت بريطانيا على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ووجود المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، وانكفاء كثير من دول أوربا على الداخل.

كتب المحلل في معهد كارنيغي، إلكسندر باونوف أن البريكزيت تقرب حلم روسيا " لأوروبا متعددة الأقطاب" بحيث تستطيع روسيا من خلاله أن تتعاون مع القوى الأوروبية الكبرى كلا على حدة، وليس كوحدة جماعية.

وعلى ذلك فإن التقارب بين روسيا وتركيا هو جزء من عملية التحول الجيوسياسي نفسها. يرى أردوغان وبوتين أن العالم بما فيه من تحالفات مثل حلف شمال الأطلسي، والمنظمات العابرة للحدود مثل الاتحاد الأوروبي، هو عالم أضعف وأقل قيمة. يشعر الزعيمان براحة أكبر تجاه عالم تكون فيه التحالفات وقتية ومصلحية، وتضع فيه القوى العظمى التقليدية الأجندة، وتحتفظ بحقها في تغيير رأيها في أي لحظة إن أرادت ذلك، في حين أن الدول الصغيرة عليها أن تتأقلم مع ذلك.

هذه النظرة تتداخل مع نظرة ترامب الذي قال في مقابلة مع نيويورك تايمز في يونيو/ حزيران الماضي أن كثيرا من دول حلف شمال الأطلسي لا تسدد فواتيرها. واقترح أن على الولايات المتحدة أن تطلب ثمن الحماية العسكرية.

لكن المزيد من التعددية القطبية تعني بطبيعة الحال تعددية أقل. وهذا ليس اتهاما موجها لأنقرة وموسكو فقط، بل إلى الحالة التي صنعتها المنظمات الأوروبية متعددة الأطراف. إذا أرادات هذه الأطراف مكافحة اتجاه تعدد الأقطاب، فإن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في حاجة إلى أن تكون أكثر جاذبية، وان تشمل الدول المشاكسة على حافة أوروبا. 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس