محمود أوفور – صحيفة صباح ترجمة وتحرير ترك برس

كانت انتخابات "المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين" بمثابة نقطة تحوّل، فازت فيها تركيا وكذلك الأغلبية. وهذه هي الخطوة الأولى على طريق بناء "تركيا الجديدة". فهذه الانتخابات قادت منسوبي جهاز القضاء إلى مكانتهم الطبيعية، وجعلت الدولة التركية تتنفس الصعداء من خلال إخراج القضاء من تحت النفوذ الخارجي، لكن المشكلة لا تنتهي هنا.

مع أن الخطوة الأولى كانت ناجحة، إلا أن الوضع القائم حاليا في القضاء مثير للقلق. فإذا ما ألقينا نظرة على نتائج الانتخابات فإننا سنرى أن قائمة "تجمع الوحدة في القضاء" الممثلة لمعظم الأحزاب التركية قد حصلت على 5800 صوت، فيما كانت القائمة الممثلة للتنظيم الموازي في المرتبة الثانية.

مجموع ما حصلت عليه قائمة التنظيم الموازي ما يقارب 4500 صوت. فيما حصل المستقلون على نسبة أقل. والمستقلون هنا كأنهم يمثلون حزب الشعب الجمهوري مقارنة بالمعادلة السياسية.

النتائج التي خرجت بها الانتخابات، تشير إلى قوة "التنظيم الموازي" في جهاز القضاء رغم هزيمته، وهذا يخلق نوعا من "القلق والرعب" لمستقبل القضاء. لأن هذا يعني أن هناك بعض القضاة والمدعين العامين لا يتحركون وفق القوانين ووفق ضميرهم، بل يسيرون وفق تعليمات مركزية خارجية تصل إليهم، ليحوّلوا هذه الأوامر إلى قرارات تؤثر على الوضع السياسي في الدولة، وهذا كابوس سيبقى قائم في جهاز القضاء، لأنهم أصحاب قوة، وحول ما يمكن أن تفعل هذه القوة كتب "حنفي أفجي" قبل عدة أشهر التالي :

"كل العاملين منهم في مؤسسات الدولة المدنية كانوا ينقلون المعلومات التي يحصلون علينا من عملهم إلى جماعتهم، جماعة غولن. والجماعة تقوم بتجميع هذه المعلومات، لتكون بيدها ملفات كاملة، ثم تصدر القرارات من مركز القيادة حول الشخصيات التي سيتم رفع قضايا عليها أو الشخصيات التي سيتم اعتقالها. تبدأ هذه العملية بتسريب المعلومات رويدا رويدا إلى الصحافة المقربة منهم، ثم يقوم موظفو النيابة العامة بالوظيفة الملقاة على عاتقها. فتتحول الاتهامات فورا إلى تهم، ولا تنظر المحكمة إطلاقا إلى الاعتراض على أحكامها". هل يمكن لجهاز قضاء مثل هذا أن يكون محايدا أو غير منحاز؟

لا شك أن المهمة ستكون صعبة على الطاقم الجديد "للمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين". ففي هذا الصدد يقول المراسل الدستوري السابق "عثمان جان" :" لا بد أن لا ننسى أن عملية إرجاع القضاء إلى مهمته الرئيسية لن يتحقق بهذه الانتخابات فقط"، ذاكرا بعض النقاط الهامة التي يجب القيام بهذا لتحقيق ذلك الهدف مخلصها كالتالي:

عمل دراسة متكاملة حول الأضرار التي سببها التنظيم الموازي خلال السنوات الأربع الماضية.
العمل على سرعة تفعيل الإجراءات القانونية التي أوقفها طاقم القضاء السابق. لكن علينا الفصل بين الإجراءات التي ستلاحق العاملين مع الجماعة، عن الآخرين، لأن بعض العاملين قد أجبروا على العمل ضمن إطار الجماعة الذي حوّل أفعاله في آخر عشر سنوات إلى أعمال سياسية مركزية فاضطروا للبقاء على رأس عملهم. ودفع فاتورة الأخطاء السياسية التي سمحت للجماعة بالتمدد من هؤلاء العاملين لن يكون أمرا صائبا.
فحص التعيينات القضائية في آخر 10 سنوات، وخصوصا تلك التعيينات التي حصلت بعد عام 2011 والتي تمت بدعم من حزب الشعب الجمهوري كما يُقال.

سنرى كم سيحقق الطاقم الحالي للقضاء من هذه النقاط الهامة، لكن المهمة الأساسية تقع على عاتق السياسيين. فلا بد من تغيير جميع أجهزة الدولة بما فيها جهاز القضاء بالطريقة التي تحقق جموح المجتمع وتساهم في أمنه واستقراره واستقلاله التام لبناء تركيا الجديدة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس