د. باسل الحاج جاسم - الحياة

جاءت زيارة الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي، العاصمة التركية أنقرة، قبل أيام، بعد فتور طويل خيم على العلاقات التركية الإماراتية، بسبب المواقف المتباينة من الأحداث في مصر، حيث تدرك أبو ظبي وأنقرة، حقيقة أن لا مشكلة مباشرة بينهما، بعيداً عن ملف الخلاف الوحيد المتعلق بطرف ثالث وهو مصر.

وقد عبّر الجانبان التركي والإماراتي في نهاية العام الماضي عن تحول من خلال تصريحات إعلامية متبادلة، عبّر عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة مع قناة «الجزيرة»: «كانت علاقاتنا، حتى الأمس القريب، قوية جداً مع الإمارات، ومن الضروري البحث عن أسباب التباعد الذي حدث فجأة بيننا، وبصفتي رئيساً لتركيا أقول إنه لا بد من إزالة هذه الأسباب في أسرع وقت ممكن، هناك سبب واحد وهو الأحداث في مصر، إلا أنه يجب حل ذلك بالطرق الديبلوماسية».

رحّب الجانب الإماراتي حينها بهذا التوجه، وبعد أقل من 24 ساعة على تصريحات الرئيس التركي جاء الرد الإماراتي إيجابياً ومرحباً عبر صفحة وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في «تويتر»: «الإشارات الإيجابية من الرئيس التركي مرحب بها، ومن الضروري البناء عليها»، وأضاف: العلاقات الطيبة والإيجابية مع أنقرة هي ما ننشده، وقد آن الأوان لتجاوز الخلاف التركي - الإماراتي حول التطورات المصرية، فالمنطقة لا تتحمل مثل هذه الخلافات.

كانت العلاقات الاقتصادية بين تركيا والإمارات تُعد الأكبر حجماً والأكثر تطوراً على الإطلاق على مستوى دول الخليج العربي، حيث ارتفعت التجارة البينية نحو ألفين في المئة خلال عقد واحد، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 11.5 بليون دولار، كما تُعد الإمارات سوقاً مهمة بالنسبة للمقاولين الأتراك في قطاع الإنشاءات، إذ نفذت الشركات التركية حتى العام 2013 مئة مشروع بقيمة 8.5 بليون دولار. وعلى الصعيد العسكري، فعّلت الإمارات التعاون العسكري مع تركيا فعقدت صفقات عدة منها شراء 10 آلاف من صواريخ «جيريت» المضادة للطائرات.

بعد أحداث مصر في صيف 2013 توترت العلاقات الإماراتية التركية فجأة، بسبب تباين المواقف حول تلك الأحداث، كما انعكس ذلك سلباً على العلاقات التركية الخليجية في شكل عام حتى أن الحوار الاستراتيجي الخليجي مع تركيا والذي بدأ في ايلول (سبتمبر) 2008، وعقد خمسة اجتماعات وزارية مشتركة، توقف بعد اللقاء في مملكة البحرين العام 2013. اختلف المراقبون حول المتغيرات التي جعلتنا نرى عبدالله بن زايد في أنقرة واسطنبول، بعد حالة أشبه بالقطيعة لسنوات، لكن الجميع يتفق على أن المرحلة حساسة، وتفرض على الجميع التكاتف، ونبذ الخلافات الجانبية، للحفاظ على الأمن والاستقرار المشترك.

ما لا شك فيه أن التقارب الذي تشهده العلاقات التركية - السعودية في الآونة الأخيرة يأتي على رأس التطورات التي قلبت الكثير من الأمور في المنطقة، ومن أبرز التطورات التي مهَّدت الطريق إلى زيارة وزير الخارجية الإماراتي تركيا، كما صبّ الاجتماع الوزاري الخليجي التركي الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية في الرياض الأسبوع الفائت، في محطات التقارب بين البلدين، ولاسيما في ضوء ما صدر في بيانه المشترك، واعتبرت دول مجلس التعاون الخليجي خلال الاجتماع، منظمة «فتح الله غولن»، الضالعة في محاولة الانقلاب الفاشلة «إرهابية».

الواضح أن زيارة عبدالله بن زايد تركيا فتحت صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين أنقرة وأبو ظبي، وتوجت سلسلة تطورات إيجابية شهدتها علاقات البلدين، ولكن المهم ما سيسجل في هذه الصفحة الجديدة، والمؤكد أن أنقرة ستسعى إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، مع استمرار التباين والاختلاف في بعض الملفات، لأن التوافق التام في جميع القضايا والملفات ليس شرطاً لاستمرار العلاقات بين الدول.

جاءت زيارة المسؤول الإماراتي في ظل توافر ظروف تُهيئ مناخاً سياسياً مناسباً لفتح صفحة جديدة بين أبو ظبي وأنقرة، وستنعكس حتماً على مجمل العلاقات الخليجية - التركية وعلى المنطقة في شكل عام، في إطار تحقيق المصالح المشتركة، ولمواجهة التهديدات المشتركة ضد دول الخليج وتركيا.

وباستثناء الملف المصري، هناك تقارب لا تخطئه عين في وجهات نظر أبو ظبي – أنقرة، حيال مختلف القضايا، فتركيا تدعم التحالف الذي تقوده السعودية وتشارك فيه الإمارات لدعم الشرعية في اليمن، وتتطابق وجهات نظرها مع دول الخليج، لإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية.

كما تدرك الدولتان أهمية تعزيز تعاونهما من أجل مواجهة التحديات المشتركة، ولاسيما تحدي الإرهاب وبذل مزيد من الجهود لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة التي تواجه تحدياً غير مسبوق.

وأكد عبدالله بن زايد خلال مؤتمر صحافي مشترك في قصر يلدز في اسطنبول أن اللقاء الأخير في الرياض بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا، كان خطوة مهمة لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بينهما بسبب تضاعُف المسؤولية على الجانبين، ونظراً الى التحديات الأمنية التي تهدد المنطقة، خصوصاً في سورية وليبيا واليمن والعراق.

وعبّر وزير الخارجية عن تقديره لوقوف تركيا إلى جانب التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وحق الإمارات في الجزر المتنازع عليها والمحتلة من إيران، أي طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، موضحاً أنه في ظل هذه التحديات، هناك حاجة وسبب قوي لتطوير العلاقات الخليجية – التركية، ناهيك بالفرص الاقتصادية المتوافرة بين الطرفين، ما دفع إلى إقرار إعادة تفعيل التجارة الحرة بينهما.

وليس ببعيد عن الموقف الرسمي الإماراتي الداعم لتركيا في مواجهة الانقلاب الفاشل، واصلت الشركات الإماراتية مراهنتها على السوق التركية، وعززت الشركات الإماراتية استثماراتها في تركيا، حيث افتتحت إعمار العقارية التابعة لحكومة دبي في آب (اغسطس) الماضي متنزهاً في مدينة أنطاليا السياحية تبلغ قيمته بليون دولار، وتستثمر مجموعة أبراج كابيتال الإماراتية، التي تدير أصولاً قيمتها 9 بلايين دولار، وتمتلك مكتباً في اسطنبول، نحو 900 مليون دولار منذ عام 2007 في السوق التركية، ووفقاً لبيان للمجموعة، تقوم حالياً شركة إعمار العقارية، بإنشاء مشروع سياحي وتجاري ضخم في مدينة طرابزون (شمال شرق تركيا على ساحل البحر الأسود).

يبقى القول، أنه ربما لا يكون هناك نتائج فورية لزيارة عبدالله بن زايد تركيا، إلا أنها بالتأكيد قفزة متقدمة على طريق تعاون مثمر سينعكس إيجاباً على عموم المنطقة.

عن الكاتب

د. باسل الحاج جاسم

كاتب وباحث في الشؤون التركية الروسية، ومستشار سياسي، ومؤلف كتاب: كازاخستان والآستانة السورية "طموحات نمر آسيوي جديد وامتحان موسكو"


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس