مصطفى أكيول - حرييت - ترجمة وتحرير ترك برس

في الثاني والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول عقدت ندوة مثيرة للاهتمام نظمها مركز أبحاث القرآن الكريم التابع لجامعة 29 مايو/ أيار الحكومية في إسطنبول. كان موضوع الندوة "الإيمان بالمهدي المنتظر"، أو على نحو أكثر تحديدا الإيمان بالمهدي في الإسلام، أو النسخة الإسلامية من المسيح اليهودي الذي ينتظر أن يظهر في آخر الزمان لينقذ المسلمين والإنسانية في النهاية من الشر.

شمل المتحدثون في هذه الندوة التي أذاعتها وسائل الإعلام، باحثين بارزين في علم العقيدة، وبعضهم من كتاب الأعمدة في وسائل الإعلام الإسلامية. قال كثير منهم إنه لا يوجد في القرآن ولا في السنة الصحيحة عن النبي محمد نص يتنبأ بالمنقذ الذي يأتي في آخر الزمان، وأن هذا الاعتقاد نشأ في القرون الأولى للإسلام بسبب الاحتياجات السياسية للمجتمع الإسلامي. وذهب بعض المتحدثين إلى أن هذه الأسطورة دخلت الإسلام من الديانات السابقة مثل اليهودية والمسيحية وحتى من التراث الوثني.

ما يجعل هذه النقاشات في الوقت المناسب، ومهمة من الناحية السياسية هو علاقتها بالجدل حول جماعة فتح الله غولن. هناك الآن شبه إجماع وطنى في تركيا على أن جماعة غولن ليست مسؤولة فقط عن محاولة الانقلاب الساقط، بل إنها تنبع من اعتقاد أتباعها بأن غولن هو المهدي المنتظر (ينكر غولن والمتحدث باسمه هذه الفكرة علانية، لكن بعض المنشقين عن الجماعة يؤكدون وجود هذا الاعتقاد في داخل الجماعة).

على أن هذا الخلاف لا يجعل جميع الأصوات الإسلامية الأخرى في تركيا تُخطّئ فكرة المهدي- وهي فكرة نافذة للغاية في الإسلام الشيعي- بوصفها أسطورة. بعض هؤلاء ندد بغولن بوصفه "المهدي الدجال"، مفترضا أنه من الممكن أن يظهر "المهدي الحقيقي" في يوم من الأيام. لكن هذه الندوة تحدت وجود المهدي. وتعد هذه خطوة "إصلاحية" مهمة في الخطاب الإسلامي، وهي خطوة إصلاحية لم يوجبها التأمل والتفكير العقدي فحسب، بل أوجبها أيضا السياق السياسي المميز في تركيا.

وأيا كانت ملابسات إعادة النظر في فكرة المهدي، فإنني أعتقد أنه الصواب الذي ينبغي عمله. كما أتفق مع معظم العلماء الذين تحدثوا في ندوة مركز أبحاث القرآن. ومثلما أشار هؤلاء بحق، فإنه لا يوجد أي أساس في المصادر القاطعة اليقينية في الإسلام للمنقذ الذي يأتي في آخر الزمان. (أما الأحاديث التي تبشر بمجي هذا المخلص، فتندرج في فئة الأحاديث المختلف حولها).

وإلى جانب هذا النقاش النصي، هناك أسباب مهمة تدعو إلى التشكيك في الاعتقاد بمجئ المهدي بسبب نتائجه المروعة. فعلى مر التاريخ ظهر بين المسلمين كثير من الدجالين الذين أعلنوا جهرا (أو ضمنا) بأنهم المهدي، حتي يتمكنوا من السيطرة على المجتمع لإشباع شهوتهم للسلطة.

داعش سيئة السمعة هي مثال آخر على هذه المشاكل. أعلن قائد هذا الجيش الإرهابي، أبو بكر البغدادي، نفسه خليفة، لكن ليس سرا أن من بين أتباعه من يعدونه المهدي. ولهذا السبب يرفع تنظيم داعش الرايات السوداء مثلما بشرت الأحاديث الواردة عن المهدي.

السبب الآخر لكشف زيف فكرة المهدي هو الكسل الفكري والأخلاقي الذي تخلقه هذه الفكرة، فانتظار المهدي، والنقاشات التي لا تنتهي حول علامات ظهوره تُبعد المسلمين عن التركيز على إيجاد الحلول لتوعك الإسلام في العصر الحديث، مثل تشجيع العلم والعقل والإبداع والحرية. هذه الملكات التي وهبها الله هي القيم التي ستنهض بالمجتمعات الإسلامية، حيث إنها القيم التي نهضت بالأمم الأخرى،وليس المنقذ الذاتي الذي يطلب الطاعة العمياء.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس