عمار الكاغدي - خاص ترك برس

ليس خافياً على أحدٍ حجمُ التّحديات التي تواجه تركيا حكومةً وشعباً منذ فترة ليست بالقصيرة, ولكنْ مؤخّراً برزَ تحدّيان هما الأخطر من نوعهما والمتمثلان بالجانبين الأمني والاقتصادي, ومعلومٌ أن واحداً من هذين التحديين بالذات كفيلٌ بزعزعة الاستقرار في كثيرٍ من الدّول فكيف بهما في آن معاً؟؟

هنا تظهر خصوصيّة الحالة التّركية على اعتبارها مكوّناً فاعلاً قديماً قِدَمَ هذه المنطقة, فإدراك تعقيدات المنطقة والحجم الحقيقي للأطماع المتعلّقة بها دولياً ومن بعض الأطراف الإقليمية الناشئة ,كلها أسباب كافية للاستعداد الحتميّ  للاحتمالات الممكنة كلها.

والعجيب هنا بل المضحك أنّ البعض يعتقد بالفعل بأنّ دولةً بوزن تركيا كان بإمكانها أن تنأى بذاتها عمّا هي بصَدده اليوم من تحدّيات نجمَ أكثرها عن موقف تركيا من الرّبيع العربي ومفاعيله, وذلك بأن تقِفَ تركيا موقف "الحياد السّلبي" فتدير ظهرها هكذا بكلّ بساطةٍ لما يجري في حديقتها الخلفيّة فتكون بذلك حكيمةً كلّ الحكمة, حصيفةً كلّ الحصافة.!!

والواقع أنّ بطاقة دعوة تركيا إلى الحياد السّلبي بطاقةٌ طُبِعَتْ وزُخرفتْ خارجياً بامتياز.

فمنذ اللحظة الأولى كان واضحاً أنّ الجميع في تركيا من مؤيدين لسياسة الحكومة الخارجية ومعارضين لها أدركوا أنّ ما يسمّى بالحياد السلبي أمرٌ من رابع المستحيلات في الحالة التركية, ولأجل ذلك بلغ الأمر ببعض المحسوبين على المعارضة التّركية ظاهراً والمتورطين بعلاقات مشبوهة في الحقيقة والواقع، بلغ بهم الامر إلى أن ناصروا ودعَوا إلى مناصرة أذرعٍ متعاونة علناً مع النّظام السّوري وتضرب بعمق الأمن القومي التّركي, متجاوزين بذلك "الحيادية السلبية" إلى "الفاعلية السّلبية" على أرض الواقع.

أضفْ إلى هذا كلّه أنّ البعض كان وما يزال يلحّ على تهديد تركيا بما يصفه هو "بخاصرتها الرّخوة" والمتمثلة بالجنوب الشرقي للبلاد وما يمثّله من حالة أمنيّة وتحدٍّ ديموغرافي لكلّ الحكومات التركية المتعاقبة, والسؤال هنا: هل كان "الحياد السّلبي " ليضع حدّاً لما سبق أم أنّه كان وبالضّرورة في حال تبنّيه كسياسة ٍمعلنةٍ للدولة التركية سيُحيل هذه الخاصرة الرّخوة جرحاً مفتوحاً لا طاقة للبلاد به؟؟!

والمحصّلة أنّ التموضع الجيوسياسي التركي في هذه المنطقة وما نجَمَ عنه من تحدّيات شأنٌ قدَريّ ولا شكّ في ذلك, ولكنّ اتّخاذ المواقف السياسيّة الموائمة و التخطيط للمستقبل هو شأنٌ كسبيٌّ ,وهو ما سيرثه الجيل القادم وما سَيذكُر فيه صانعو القرار في يومنا هذا بخيرٍ أو بشرّ.

عن الكاتب

عمار الكاغدي

كاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس