مصطفى سونماز - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

في الأسبوع الماضي عينت تركيا رئيس إدراة الخصخصة محمد البستان رئيسا لمجلس إدارة شركة مساهمة أسست حديثا وهي صندوق السيادة التركي. طرحت خطة إنشاء الصندوق السيادي لأول مرة في شهر يوليو/ تموز ثم مررت على عجل في البرلمان في الشهر الحالي.

وتضم  الصناديق السيادية الكبرى في العالم صندوق التقاعد الحكومي النرويجي، وجهاز أبو ظبي للاستثمار في الإمارات العربية المتحدة، ومؤسسة الصين للاستثمار، والهيئة العامة للاستثمار في الكويت، والأصول الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودية. وتأتي عائدات هذه الصناديق عموما من فوائض الميزانية، وبعبارة أخرى تقام الصناديق السيادية في الدول التي لديها فائض في ميزانيتها، وتملك ثروات طبيعية مثل النفط والغاز في أغلب الأحيان.

فماذا عن تركيا؟ بعيدا عن الاسم لا يملك صندوق السيادة التركي إلا القليل من القواسم المشتركة مع الصناديق السيادية الأخرى، فتركيا ليست بلدا يملك فائضا في الميزانية، ووفقا لما يشير إليه البرنامج الاقتصادي لأنقرة على المدى المتوسط فقد وصل مبلغ الادخار المحلي إلى 14% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعني أن تركيا تعتمد اعتمادا كبيرا على التمويل الخارجي.

وقد كبح تزايد المخاطر الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى تركيا، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. كان معدل النمو المستهدف من جانب أنقرة لعام 2016 4%، لكن في وقت سابق من هذا الشهر توقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل النمو إلى 2.9% بنهاية هذا العام، مؤكدا أن احتياجات التمويل الخارجي لا تزال كبيرة وتقيد الحيز المالي. ويؤكد هذا كله أن الاقتصاد التركي يمر بفترة صعوبات مالية.

تلعب المالية العامة في مثل هذه الأوقات دور رجل الإطفاء لإخماد الحرائق الاقتصادية، ومن هنا فإن عجز ميزانية الحكومة المركزية لعام 2017 سيصل إلى 1.9% من الناتج المحلي، مما يعني أن المالية العامة ستستخدم أكثر لمواجهة الانكماش الاقتصادي. وبعبارة أخرى ستتخذ تدابير، مثل خفض الإسراف في الإنفاق العام، وتخفيض الضرائب وتقديم دعم القروض للقطاعات المتعثرة على حساب عجز أكبر في الميزانية. تجاوزت تركيا بهذه الطريقة الأزمة المالية في 2008-2009 وذلك بزيادة نسبة عجز الميزانية في الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 5%. أما اليوم فتضيف أنقرة وسيلة أخرى لمكافحة الحرائق الاقتصادية وهي صندوق السيادة.

أنشئ صندوق السيادة التركي شركة مساهمة برأس مال مبدئي 50 مليون ليرة تركية تمول من إدارة الخصخصة، وبالتالي صار رئيس إدارة الخصخصة هو رئيس مجلس الصندوق السيادي. تصوغ الشركة في الوقت الراهن النظام الداخلي للصندوق السيادي ووضع مصادر تمويله، ويحق للشركة ايضا إنشاء صناديق فرعية أيضا.

من أين تأتي موارد الصندوق؟ يذكر القانون إدارة الخصخصة أول مورد للصندوق، واصفا الكيانات والأصول الموجودة في نطاق برنامج الخصخصة الذي تقرر الهيئة العليا للخصخصة أن تحيل إليه الفائض النقدي على أن يحول من صندوق الخصخصة إلى صندوق السيادة التركية. فماذا يعني ذلك بالأرقام؟

معظم الأصول العامة التي يمكن بيعها في تركيا قد خصصت بالفعل، وقد خصخص غالبيتها في العقد الماضي في ظل حكم حزب العدالة والتنمية. ووفقا لبيانات إدراة الخصخصة كان 267 كيانا موضعا لنوع من الخصخصة، من بينها 257 كيانا لم تبق فيها أي مساهمة عامة. وفي الفترة من عام 1986 وحتى عام 2016 جنت تركيا 68 مليار دولار من الخصخصة، وبلغت الأموال المحولة من صندوق الخصخصة إلى خزانة الدولة من عام 1995 وحتى تموز 2016 45.1 مليار دولار.

ويشير البرنامج الاقتصادي على المدى المتوسط إلى انخفاض تدفق عائدات الخصخصة في الميزانية خلال السنوات الأخيرة، حيث انخفض العائد من 4.3 مليار دولار في عام 2015 إلى 3.5 مليار دولار هذا العام، بينما تطمح تركيا إلى أن يصل العائد في عام 2017 إلى 5.3 مليار دولار. لكن إذا ضخ عائد الخصخصة في صندوق السيادة، فإن هذا يعني أن تقل إيرادات ميزانية الحكومة المركزية.

يبرز في هذا الصدد صندوق التأمين على البطالة هدفا رئيسا لموارد الصندوق السيادي. تأتي نصف عائدات هذا الصندوق من الاستقطاعات الشهرية التي يقوم بها صاحب العمل من الرواتب والدولة من الموظفين، بينما يأتي النصف الآخر من عوائد الودائع المصرفية وسندات الخزانة التي يستثمر فيها الصندوق. واعتبارا من شهر سبتمبر/ أيلول بلغت أصول الصندوق أكثر من 100 مليار ليرة تركية أي 33 مليار دولار.

يعرض قانون صندوق السيادة لمصدر آخر للدخل يصفه بأنه "عائدات زائدة عن الحاجة، وموارد وأصول تحت تصرف المؤسسات والهيئات العامة التي يقرر مجلس الوزراء نقلها إلى صندوق السيادة أو وضعها تحت إدارة الشركة المساهمة لصندوق السيادة". فما هي تلك الأصول المتبقية؟

النقد الرئيس الذي يوجه إلى قانون صندوق السيادة هو إعفاؤه من تدقيق ديوان المحاسبة على الرغم من أنه كيان عام يستخدم الأموال العامة، وبدلا من ذلك سيخضع الصندوق أو أي صناديق فرعية تقام في المستقبل لتدقيق مستقل بموجب قانون رأس المال، كما سيتمتع الصندوق والصناديق الفرعية التي ستقام في المستقبل بسلسلة من الإعفاءات الضريبية.

تأتي مشروعات البناء الضخمة التي أطلقتها الحكومة التركية وسط ضجة كبيرة في السنوات الأحيرة ضمن الاستثمارات التي سيضخ فيها الصندوق السيادي الأموال. في ديباجة مشروع قانون الصندوق السيادي وصفت الحكومة أحد أهدافها "بتأمين تمويل مشاريع البنية التحتية الكبيرة، مثل الطرق السريعة، وقناة إسطنبول، والجسر الثالث على البوسفور، والمطار الثالث في إسطنبول، ومحطة الطاقة النووية، دون زيادة الدين العام" وتحدثت الديباجة أيضا عن تطوير قطاع الصناعات العسكرية، الأمر الذي يشير إلى أن صندوق دعم الصناعات العسكرية قد أدرج أيضا في نظاق الصندوق السيادي.

عن الكاتب

مصطفى سونماز

محلل اقتصادي وكاتب تركي، له 30 كتابًا عن الاقتصاد والإعلام التركي والمسألة الكردية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس