مراد يتكين - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

مثل أحمق المدينة الذي يظن أنه شرطي المرور فيشير إلى السيارات المارة التي لا تأخذه على محمل الجد لأنه لا يملك سلطة حقيقية، يفقد الاتحاد الأوروبي ما تبقى له من نفوذ سياسي على على تركيا، وإن كان هذا النفوذ قد تلاشى لبعض الوقت على كل حال.

وكان آخر مثال على تلاشي هذا النفوذ التحذير الذي أصدره رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، في مطلع هذا الأسبوع من أنه ما لم تتراجع الحكومة التركية عن خطتها لإعادة عقوبة الإعدام، فإن بروكسل ستعيد تقييم طلب عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وقد تفرض عليها عقوبات.

جاء أول رد مباشر يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني من وزير الخارجية، مولود تشويش أوغلو، الذي قال موجها كلامه لشولتز " انطلق ، ولكن إن كانت لديك القدرة فعليك أن توقف دعاية الإرهاب في مبنى البرلمان الأوروبي، وأن تحذر دول الاتحاد الأوروبي من إيواء اللاجئين"  وذلك في إشارة من أوغلو إلى إدانة أنقرة للفعاليات التي يقيمها حزب العمال الكردستاني المحظور في البرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا وحول المفوضية الأوروبية في بروكسل. كانت محكمة بلجيكية قضت أخيرا بأن  أعمال القتل التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني الذي يعده الاتحاد الأوروبي رسميا منظمة إرهابية، لا يمكن اعتبارها "أعمالا إرهابية"، حيث إن الحزب اختار " الكفاح المسلح" وسيلة . وفي الواقع فقد قتل أكثر من 40.000 شخص في الحملة المسلحة التي يخوضها العمال الكردستاني ضد الحكومة التركية منذ عام 1984 .

رفع الرئيس، رجب طيب أردوغان من حدة الانتقادات، وذلك في كلمة ألقاها في ال14 من نوفمبر في أنقرة وقال " إذا كنت تعد لفرض العقوبات، فإن الأمة لن تسألك عما ستفعله. إذا كنت ترغب في إعادة تقييم طلب عضوية تركيا، فلتفعل ذلك بسرعة ولتخبرنا بالنتيجة. أنت المضيف فلا تتوقع منا أن نتراجع عن قضيتنا".

في الأسبوع الماضي رفضت الحكومة التركية تقرير التقدم السنوي للاتحاد الأوروبي حول تركيا الذي يضم كثيرا من الانتقادات حول وضع وسائل الإعلام في البلاد والقضاء، لاسيما بعد محاولة الانقلاب العسكري الساقط في ال15 من يوليو /تموز. وقال أردوغان في الخطاب نفسه إن على الاتحاد الأوروبي أن يخجل من نفسه بسبب عدم تقديم الدعم الكافي للشعب التركي الذي قاوم وتحدى محاولة الانقلاب.

 

جاءت تصريحات الرئيس قبل يوم واحد من زيارة وزير وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير لأنقرة في ال15 من نوفمبر. وفي الأسبوع الماضي أكد مولود شاويش أوغلو تقارير صحفية بأنه لم يرد على اتصالين هاتفيين من شتاينماير، وقال إنه يرغب في أن تغير ألمانيا موقفها من حزب العمال الكردستاني والشبكة السرية التي أنشأها رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي تتهمه الحكومة والمعارضة التركية بتدبير محاولة الانقلاب.

في السابق كان يتوقع أن يكون لتحذيرات الاتحاد الأوروبي أثر معين في صنع القرار في أنقرة، وهناك أمثلة لا تحصى على ذلك في الماضي، لكن على مدى السنوات العشر الماضية بدأ الاتحاد الأوروبي يفقد نفوذه السياسي، ويلوّح باستمرار بالعصا دون أن تكون هناك جزرة في الأفق.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك وعود الاتحاد الأوروبي التي لم تتحقق بشأن اتفاق قبرص عام 2004 ، فضلا عن تغيير القواعد المتعلقة بفتح فصول التفاوض واحدا تلو الآخر بدلا من التفاوض عليها مرة واحدة مثل حالة المرشحين السابقين للانضمام للاتحاد، الأمر الذي يعني فتح عدد قليل جدا من فصول المفاوضات حتى الآن. أما الفصلان الحاسمان 23 و 24 المتعلقان باستقلال السلطة القضائية والحقوق والحريات فلم يفتحا حتى الآن بسبب الفيتو القبرص اليوناني عليهما.

وهذا هو السبب الرئيس في أن حزب المعارضة الرئيس، حزب الشعب الجمهوري،انتقد أيضا الاتحاد الأوروبي بسبب عدم تضامنه الواضح مع الشعب التركي، والتستر وراء خطاب أجوف.

يقف حزب الشعب الجمهوري إلى جانب الحكومة ضد محاولة الانقلاب، كما يقف بجانبها ضد الموجة الإرهابية التي يرعاها حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" داعش" لكنه يدق أجراس الإنذار، حيث يزعم الحزب أن الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم يستغلان تعاطف المجتمع بعد محاولة الانقلاب لتعزيز السلطة وإسكات الأصوات المعارضة، وينتقد الحزب الضغط على القضاء ووسائل الإعلام باستخدام قوانين في إطار مرسوم حالة الطوارئ التي أعلنت بعد دحر محاولة الانقلاب.

ثمة عقبة أساسية أخرى في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي وهي اتفاق اللاجئين الذي وقع في مارس/ آذار من هذا العام بشأن السيطرة على تدفق اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي نتيجة الحرب الأهلية في سوريا، في مقابل إعفاء المواطنين الأتراك من تاشيرة الدخول إلى دول الاتحاد.

ومنذ التوقيع على الاتفاق وقعت محاولة الانقلاب، وتغيرت كثير من العوامل الأخرى. تقول تركيا إنها لا تستطيع تغيير قانون مكافحة الإرهاب الذي يعد البند المتبقي الذي يجب علها فعله لتطبيق الإعفاء من التأشيرة؛ بسبب حالة الطوارئ في بلد ما يزال يعاني من صدمة محاولة الانقلاب، وتتعرض لأعمال إرهابية مستمرة. ينتهي سريان الاتفاق بنهاية العام الحالي، ويجب تجديدها، ولعل هذه التجديد هو الفرصة الأخيرة لإنقاذ العلاقات بين أنقرة وبروكسل بكل أبعادها الاتستراتيجية.

قال الرئيس أردوغان في كلمته أمس " فلننتظر حتى نهاية العام ثم نلجأ إلى الشعب مثلما فعلت بريططانيا في البريكزيت"

عن الكاتب

مراد يتكين

كاتب في صحيفة راديكال


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس