محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

بين الخوف من المجهول والأمل في العودة إلى تلعفر يبقى المشردون واللاجئون في حيرة من أمرهم فتارة تتصدر الأجندات الطائفية والأبواق المأجورة والمحرضة على المزيد من الكراهية والانشقاق، وتارة أخرى تفيض دموع الأهالي عند ذكر بساتينهم وحقولهم وبيوتهم ومواشيهم وورشهم وأقرانهم وأصدقائهم وجيرانهم، وبين هذه وتلك تكمن حيرة هولاء الذين يأملون أن يزفوا إلى تلعفر جماعات جماعات لينسوا كل الأحقاد والنزاعات الطائفية والعرقية الأليمة فالكل في ضيم وضيق فلا الذي في الجنوب متهني بأيامه ولا الذي في الشمال سعيد بغربته والباقي أيضا في أماكن أخرى يقضي ليلته يراقب نجماته لعل نجمة قد تخطئ وتغير مسارها لتمسي عليه بعد هذا الفراق.

إن أمام أهالي تلعفر بسنتهم وشيعتهم خياران لا ثالث لهما وهما إما أن يتوحدوا أو أن يتوحدوا فلا خيار لهما غيرها، وهذه ليست دعوة إلى التصالح بل هي ضرورة حتمية مؤكدة ولا بد أن تتحقق هذه الضرورة في أسرع وقت لأن الذين يتربصون بمنطقة تلعفر لتغيير ديمغرافيتها يعدون الساعات والدقائق لتنفيذها، وعندها لا تجدي كلمة الوحدة والتضامن ويكون دخول أي طرف إلى تلعفر كدخول الغريب، ولن يفيد الندم بعدها.

إنني أدعو كل الشرفاء إلى الوقوف مع القضية كوقفتهم قبل الاحتلال البغيض فلا مساس بالخصوصية الطائفية ولا مغالاة إكراما لشعور الطائفة الأخرى ولتكُن تركمانيتنا فوق كل اعتبار لأنها هي فقط التي باستطاعتها أن توحدنا، لقد كانت تلك الهوية التي كنا نتغنى بها هي حلقة الوصل بين الكل فكل أهالي تلعفر مرتبطون بعضهم البعض كقرابة ونسابة والكل يدرك هذا والكل مؤمن بهذا لأن العشائر كانت تجتمع وتتصاهر في ما بينها ولا تجد حرجا بل كانت هي التي تقوي المحبة والألفة بيننا جميعا، لكن الطائفية المقيتة هي التي دمرت كل هذه الألفة الخالصة المباركة بل فرقت بين أبناء العم وهذه حقيقة لا ينكرها أحد.

ليس للشيعة الفضل في انتمائهم القومي التركماني على السنة وبنفس الوقت ليس للسنة الفضل في ذلك فالكل متساون في هذا الفضل وهنا تكمن نقطة الالتقاء الجوهري بين مكونات تلعفر ندعو الله أن يوفق أهل الرأي في جمعهم من جديد وتكون المساواة في الواجبات والاستحقاقات أساس العملية التصالحية وندعو كل الشرفاء إلى تبني هذا الموقف الشريف الأخوي الصادق.

لقد عانى أطفالنا وشيوخنا مثلما عانت نساؤنا الويلات تارة بالحروب وتارة أخرى بالتهجر واللجوء ورغم كل هذا ورغم الماساة التي عاشوها في الغربة عن ديارهم فهم مستعدون لنسيان كل ذلك حال وصولهم ومشاهدتهم لبساتين التين والرمان وحقول الحنطة والشعير، بل الأكثر من ذلك فإني على ثقة بأن شعار القومية التركمانية سيعلو فوق كل الشعارات وسيمحق كل الأجندات الدخيلة التي كانت سبب بلائنا وسبب حروبنا العبثية.

مرة أخرى والكلام إلى أهل الرأي أيضا نتمنى أن تكون تلعفر كسابق عهدها قبل الاحتلال البغيض وأن لا يُسمح لكل هولاء الذين سببوا هذه الماسأة من كل الأطراف بأن تكون لهم أية بصمة في مستقبل تلعفر لأن هولاء سيعيشون ويقتاتون على تفرقنا، والأولى أن يبتعدواعن كل ماله صلة بين جمع أهالي تلعفر ووحدتهم فهم أصحاب أجندات لا بارك الله بهم.

ولندع أمهاتنا وبناتنا وشيوخنا يقضون أيامهم الآتية بعد تحرير مدينتهم بعز ووئام وسلام يزاولون نشاطاتهم ودراستهم وأعمالهم وتسمو الألفة والطمأنينة بينهم ليروا حقول الحنطة وسرايا الفتيات الصغيرات وهن حاملات سلال التين والرمان عند عودتهم من بساتين تلعفر... إنها أمنية ويجب أن تتحقق.

القومية التركمانية في العراق موحدة في كل المدن التي يقطنونها من كركوك وطوزخورماتو ومندلي وديالى وغيرها ولا تفرق الطائفية البغيضة هذه القومية لكن العجب في نوعية طائفية تلعفر التي استطاعت أن تفرق بين أهالي تلعفر والذين كان يطلق عليهم العنصريون سابقا بسبب تآلفهم وحميتهم على أبناء جلدتهم. أشك في أن عين حاسدة أصابتهم، لكن عندما  يكون أمر مدينة ليس بيد سكانها تكون هذه هي النتيجة فاتعظوا يا أولي الألباب والله من وراء القصد.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس