ألتاي أتلي - آسيا تايمز - ترجمة وتحرير ترك برس

في الوقت الذي وصلت فيه العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي إلى أدنى مستوياتها مع تصويت البرلمان الأوروبي على تجميد محادثات الانضمام إلى الاتحاد مع أنقرة، صرح الرئيس، رجب طيب أردوغان، بأن تركيا لا ينبغي لها أن تركز اهتمامها على فكرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأن عليها التفكير في فرص أخرى مثل منظمة شنغهاي للتعاون، ما أشعل النقاش حول ما إذا كانت تركيا تبتعد عن الغرب الليبرالي وتتحرك نحو الشرق الاستبدادي.

هذا النقاش ليس جديدا فحسب، بل إنه مستمر بالفعل منذ بدايات التحديث العثماني في أواخر القرن الثامن عشر، كما أنه يخطئ في فهم أن تركيا يمكنها أن تكون، وهي في واقع الأمر كذلك، جزءا من الغرب والشرق في الوقت نفسه. وهذا ليس خيارا بل وضع يحدده موقع تركيا الجغرافي وتاريخها واقتصادها وتياراتها الثقافية الحالية ومزيج القيم التي يتمسك بها ثمانون مليون تركي قوي.

خيبة أمل الأتراك من عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي التي ظلت مستمرة دون تقدم يذكر منذ عام 1963 حقيقية وعميقة، وصحيح أيضا أنه على الرغم من أن العضوية الكاملة غير متوقعة بالنسبة إلى تركيا، فإن الاتحاد الأوروبي ساهم مساهمة كبيرة في تنمية تركيا من حيث الديمقراطية والتقدم الاقتصادي والحوار والتبادل الثقافي. إن التخلي عن هذه المكاسب ليس في صالح تركيا، ولكن في الوقت نفسه تشعر تركيا بالحاجة إلى تحسين خياراتها وقدرتها وتجنب الاعتماد المفرط على جهة سياسية واقتصادية واحدة. وفي هذا الصدد فإن مشاركة أكبر وأكثر رسمية مع منظمة شنغهاي للتعاون ودولها الأعضاء يبدو منطقيا، لكنه لا يعني بالضرورة قطع العلاقات مع أوروبا.

تركيا لا يجب لها أن تختار بين بروكسل وشنغهاي، مادامت قادرة على الوصول لكليهما، وهذا أيضا ليس اختيار المنافع المادية على القيم، لأن تركيا لديها مصالح اقتصادية وقيم مشتركة مع الجانبين. ما ينبغي لتركيا أن تفعله هو معرفة كيفية الحفاظ على علاقات إيجابية مع الغرب والشرق ضمن حدود تحددها قدرات البلاد وبطريقة مثلى دون إبعاد الأصدقاء القدامى عند إقامة صداقات جديدة. وفي ظل الظروف الراهنة فإن هذا يتطلب مهمتين: أولا تحديد ما هي القيمة الحقيقية بالنسبة إلى تركيا من شراكة أكبر مع منظمة شنغهاي للتعاون من خلال العضوية الكاملة أو أي شكل آخر. وثانيا أن تقرر ما هو نوع أفضل إطار مؤسسي لتعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، إذا كانت العضوية الكاملة لم تعد هدفا واقعيا.

تركيا بالفعل شريك حوار في منظمة شنغهاي للتعاون منذ عام 2012. إن عزم أنقرة  على أن تنشط في هذه المنظمة من خلال العضوية الكاملة إن أمكن ذلك، لا يمكن أن يفسر فقط على أنه إشارة إلى الغرب؛ لأن هناك مكاسب مادية متوقعة لتركيا من ذلك. ولم يضيع أي من الأعضاء الكبار في المنظمة وقتا في التوضيح صراحة بأن تركيا ينبغي لها أن ترى فوائد الانضمام إلى ناديهم. وبعد تصريح أردوغان الداعم للمنظمة أعطت بكين على الفور الضوء الأخضر لانضمام تركيا، والأهم من ذلك أن الهيئة الإدارية للمنظمة انتخبت بالإجماع تركيا لرئاسة اجتماع نادي الطاقة التابع لمنظمة شنغهاي عام 2017 ، وهي المرة الأولى التي تنتخب فيها دولة ليست عضوا كاملا لرئاسة اجتماع تنسيق الطاقة الذي يضم بعض كبار مستهلكي ومنتجي النفط والغاز في العالم.

خلال السنوات القليلة الماضية، وعلى الرغم من كل التقلبات السياسية، انتهجت تركيا دبلوماسية الطاقة الفعالة مع كل من الصين وروسيا في مجال الطاقة النووية والطاقة الشمسية وطاقة الفحم مع الأولى، وخطوط أنابيب الغاز مع الثانية، وفي هذا الصدد لا يمكن إنكار قيمة رئاسة تركيا لاجتماع نادي الطاقة التابع لمنظمة شنغهاي للتعاون. وفي هذه الأثناء تبذل روسيا والصين جهودا لدمج مشاريعهما المشتركة في القارة الآسيوية، مثل الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي، ومشروع الصين حزام واحد طريق واحد، وكذلك البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تعد روسيا وتركيا عضوين مؤسسين له.

تهدف هذه المشروعات كلها إلى زيادة الإمكانيات الاقتصادية على المحور الذي يقع بين الساحل الشرقي للصين وحدود أوروبا الشرقية، وتتداخل المناطق المستهدفة التي تغطيها هذه المشروعات جغرافيا تداخلا كبيرا. عندما التقى فلاديمير بوتين في ال15 من مايو/ أيار 2005  شي جين بينغ في الكرملين، وأعلنا "أن التكامل بين مشاريع الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي ومشروعات طريق الحرير يعني التوصل إلى مستوى جديد من الشراكة (بين البلدين) وينطوي على فضاء اقتصادي مشترك في القارة" فقد كان دافعهما تحقيق مكاسب متبادلة بالتأكيد على أن مشاريع البلدين في الأوروآسيا تكمل بعضها بعضا، وتؤسس لبنية اقتصادية متوازنة بدلا من المشاريع التنافسية التي ستؤدي على الأرجح إلى نتائج دون المستوى الأفضل أو إلى نتائج مدمرة. ما سماه بوتين وشين "فضاء اقتصادي مشترك" هو أمر حيوي بالنسبة إليهما في وقت تواجه فيه روسيا أزمات اقتصادية خانقة بسبب العقوبات الأوروبية وانخفاض أسعار النفط والغاز، بينما تبذل الصين جهودا للسيطرة على تباطؤ النمو الاقتصادي.

هذا الفضاء مهم أيضا لدول آسيا الوسطى التي يعتمد مستقبلها على كيفية قدرتها على الحفاظ على مشاركة الصين وروسيا في نفس الوقت، وهي مسالة مهمة أيضا لتركيا ليس بسبب القضايا المتعلقة بالطاقة فحسب، بل ربما وهو الأهم لأن روسيا ودول آسيا الوسطى هي الوجهات الرئيسة للمنتجات والاستثمارات وخدمات البناء التركية. وفي وقت أغلقت فيه منافذ الاقتصاد التركي إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والأسواق الخليجية بسب الحروب الأهلية والإرهاب والمشاكل السياسية، فإن الارتباط بالاتحاد الاقتصادي الأورآسيوي أكثر أهمية من أي وقت مضى للاقتصاد التركي.

ما تزال أوروبا الشريك الاقتصادي الرئيس لتركيا، ووفقا لبيانات معهد الإحصاء التركي لسنة 2015 استقبلت دول الاتحاد الأوروبي 44.4% من الصادرات التركية السنوية، وبإضافة الدول الأوروبية غير الأعضاء في الاتحاد ترتفع حصة أوروبا من الصادرات التركية لتصل إلى 54.3%. وفي المقابل فإن دول منظمة شنغهاي للتعاون تمثل مصادر للواردات التركية، حيث تصل الواردات من الصين وروسيا وحدهما إلى 21.8% من واردات تركيا. على أن مشاركة أكبر أو حتى العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون لن تؤدي إلى عكس هذه الصورة، إذ أن أوروبا لن تفقد مكانتها شريكا وجهة التصدير الرئيسة بين عشية وضحاها. التجارة مع أوروبا هي شريان الحياة للاقتصاد التركي، لكن منظمة شنغهاي للتعاون يمكن أن تقدم مزايا أخرى لتركيا أهمها القاعدة الرسمية والمؤسسية التي يمكن لتركيا من خلالها أن تطور علاقاتها مع الدول الأعضاء على الصعيد الثنائي، وأن تصيرا جزءا لا يتجزء من البنية الاقتصادية الناشئة في القارة الآسيوية.

وبالإضافة إلى تقويم ما يمكن أن تعنيه منظمة شنغهاي للتعاون، وما يمكن أن تقدمه تحديداـ تحتاج تركيا أيضا إلى إعادة النظر في نهجها تجاه الاتحاد الأوروبي، وأن تقرر في حوار ثنائي مع الشركاء الأوروبيين أي نوع من إطار التعاون سيكون الأفضل لتعزيز العلاقات، إذا كانت العضوية الكاملة في الاتحاد لم تعد هدفا واقعيا. تحتاج تركيا الاتحاد الأوروبي مثلما يحتاجها الأخير، فالجانبان مستفيدان من هذه العلاقة، وقطعها سيكون أسوأ قرار يمكن أن يتخذ. من الواضح أيضا أن الإصرار على ربط العلاقات بالعضوية الكاملة لا يحقق تقدما كبيرا. يمكن صياغة نموذج جديد للشراكة بين تركيا والاتحاد الأوروبي يكون تنفيذه أقل إيلاما، وسيخدم مصالح الطرفين، ولن يجعل المواطنين الأتراك يشعرون بالمهانة، مثلما يشعرون الآن بعد 53 عاما من الانتظار للوصول إلى نتيجة لا تتحقق.

لا تحتاج تركيا إلى الاختيار بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة شنغهاي للتعاون، ليس لأن هذين الكيانين لهما بنيتان مختلفتان فحسب، فأحدهما اتحاد سياسي اقتصادي يتخطى الحدود القومية، والآخر مجرد أداة للتعاون الثنائي متعدد الأطراف، لكن تركيا يمكن أن تدخل في شراكة أنشط مع كل منهما دون استبعاد الطرف الآخر. لكن الكلام في ذلك أسهل من الفعل، ويتطلب دبلوماسية استباقية وحذرة في تصرفات أنقرة ، وفي الوقت نفسه فإن أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه الاتحاد الأوروبي ومنظمة شنغهاي للتعاون هو أن يطلبا من تركيا الاختيار بين أحدهما.

عن الكاتب

ألتاي أتلي

أكاديمي تركي مختص بالاقتصاد السياسي الدولي والعلاقات الدولية، وباحث زميل في الدراسات الآسيوية بمركز إسطنبول للسياسة في جامعة صبانجي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس