سمير صالحة - لبنان 24

كثر هم الذين ينظرون بعين الشك تجاه مواقف وسياسات حكومة "العدالة والتنمية" وسلوكها رغم أن أنقرة طرحت شروطها وطالبت بقبولها لتحدد على أساسها حجم وطبيعة مساهمتها النهائية في جهود التحالف الدولي.

بعد مرور 11 عاماً على تذكرة الأول من آذار عام 2003 العراقية صوت البرلمان التركي على مذكرة مشابهة لم تفرح أحداً ولا حتى قواعد العدالة والتنمية وقياداتها ربما التي تبنتها ودافعت عنها.

طلب الحكومة التركية في العلن مرتبط مباشرة بقرارها الوقوف الى جانب التحالف الدولي في الحرب على "داعش" في سوريا والعراق، لكن غير المعلن في أسباب القرار التركي هو توسيع رقعة المواجهة لتشمل اسقاط النظام السوري وقطع الطريق على حلم بناء دويلة شمال سوريا الكردية كما هو الحال اليوم في شمال العراق.

المشهد بعد ساعات على تفويض البرلمان التركي لحكومة العدالة والتنمية بإرسال القوات المسلّحة في مهام خارج الحدود أو استقبال جيوش أجنبية داخل الأراضي التركية مقلق حقاً رغم أن قرار التفويض قد يعني حصول حكومة "العدالة والتنمية" على ما تريد، لكنه ليس بالضرورة قرار إعطاء أشارة الإنطلاق في العمليات العسكرية المجهولة الأهداف والمسار والنتائج حتى الساعة. قرار التفويض مهم لكن ما يقال ويكتب حتى في أوساط الحلفاء المفترضين مهم أيضاً.

أميركا التي كانت تقول إن التحالف لا يستطيع أن يتحرك من دون تركيا، يتحرك جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، قبله ليشن حملة على الشركاء وعلى رأسهم تركيا، فيحاول تلقينها درساً في محاربة الطائفية والمذهبية والإصطفاف العرقي ناسياً أن واشنطن هي التي أوصلت العراق مثلاً الى ما هو عليه من تفكك وتشرذم وتباعد بسبب سياساتها وتحالفاتها التي تحذر منها اليوم. الجيش العراقي يسلّم العتاد الأميركي والدبابات والمدافع خلال دقائق الى تنظيم "داعش"، والسبب هو ما بنته واشنطن من مكعبات عرقية مذهبية، وبايدن يحمّلنا كعرب وأتراك مسؤولية إشعال فتيل الإحتراب المذهبي في المنطقة.

لا أحد من القيادات والحكومات العربية تعطي رأيها بصراحة في التفويض البرلماني هذا، خصوصاً شركاء أنقرة في التحالف، لكن أقلام وأصوات عبر وسائل الإعلام هي التي تعترض وتهاجم وتحذّر من دخول تركي الى سوريا والعراق لأن القوات التركية لن تنسحب من أماكن "تعتبرها لها تاريخياً واستعمارياً".

حكاية افتتاح القنصلية "الداعشية" في اسطنبول التي تبنّاها بعض الإعلام العربي وكاد يرسل باقات الزهور للتهنئة، لكنه لم يعثر في الدليل على عنوانها، من النوع المضحك المبكي. جريدة "أيدنلك" الهامشية الماركسية اليسارية المعارضة وأهم أصوات النظام السوري في تركيا، نشرت خبراً نسبته الى مسؤول العلاقات الخارجية في "داعش" تبناه واعتمده الكثير من مؤسسات الإعلام العربية. لا مشكلة في ذلك ولا حتى في تدقيق مصداقية الخبر طالما أنه ينفع في تصفية الحسابات. لكن أن تبنى حملات التحريض والتعبئة الى درجة إستطلاع آراء الخبراء والمحللين الذين قالوا إن هذا عادي بالنسبة لسلوك أنقرة، مقلق حقاً. أي نوع من الشراكة هو؟

أقلام محسوبة على التحالف تحمل ظلم "داعش" لأسابيع أخرى أو تريد أن ترى السلاح الغربي والقوات الغربية فوق أراضيها، لكنها لا تطيق وجود الأتراك الاستعماريين هناك. تركيا فتحت الأبواب ولسنوات أمام الوافدين من العراق أكراد وعرب وأقليات، لكنه يُمنع عليها الدخول في إطار قوات التحالف فهي قد تدخل الموصل ولا تخرج منها قبل استرداد كل مستحقات السلطان عبد الحميد النفطية التي شطبتها قبل عقود من موازنتها، وهي أصلاً لم تحصل على شيء منها لكنه متمسّك هو بوجودها في الموازنة التركية السنوية!

النظام السوري حذّر أنقرة من أن أية محاولة تركية لدخول الأراضي السورية ستعتبر عدواناً، وأنه سيرد عليها بالمثل. أنقرة لا يمكن أن تعطيه مثل هذه الفرصة حتى ولو كانت تعرف أنه قال كلاماً مشابها لإسرائيل أكثر من مرة.

الموجع أكثر هو أن بعض "الشركاء" بدأ يلعب ورقة النظام السوري ضد أنقرة للحؤول دون دخولها عسكرياً الى سوريا لأنها أعلنت أن بين أهدافها حماية الوحدة السورية وإسقاط النظام وكلا المطلبين مرفوضين من قبله على ما يبدو.

ومن الضروري هنا أن لا ننسى ما يقوله عبد الله أوجلان حول أن سقوط كوباني يعني انتهاء مسار ملف الصالحة التركية - الكردية في البلاد. نعم لكيان كردي في شمال سوريا، ولا لتدخل تركي استعماري يحتل المكان ويحقق حلم العودة!

تركيا عندما تستقبل عشرات الآلاف من الوافدين الأكراد الهاربين من شمال سوريا تدفع ثمن سياستها السورية و"الداعشية" ولا منة لها على أحد هذا أيضاً ما سنسمعه من شركاء التحالف. داوود أوغلو يقول: سنفعل ما بوسعنا للحؤول دون سقوط  كوباني، لكن قيادات سياسية كردية تعود من جولة تفقدية في البلدة لتقول إن معنويات المقاتلين مرتفعة وانهم سيردون "داعش" على أعقابها. صلاح الدين دميرطاش، قيادي في "الشعب الديمقراطي" الكردي يقول: نريد السلاح فقط. تركيا ستقدم السلاح ليذهب الى "العمّال الكردستاني" ثم يستخدم ضدها لاحقاً في حرب الاستقلال. البعض يريد أن يكرر تجربة الدستور الكردي في شمال العراق ويحتاج الى أدوات تمكنه من ذلك. هو يريد أن تكون كوباني الوسيلة والفرصة برفضه المنطقة العازلة التي يفترض ان توفر الحماية له كما يرفض دعم طلب التفويض البرلماني لأنه يقطع الطريق على دستور كردستان شمال سوريا ربما.

صلاح الدين دميرطاش يقول إن مدينة كوباني محاصرة من جهاتها الثلاث من قبل تنظيم "داعش" لكنها محاصرة في الجهة الرابعة من قبل تركيا التي لا تمد لها يد العون. لكن البعض يطالب بفتح الأبواب امام البشمركة التي أثبتت قدرتها في وقف تقدم عناصر "داعش" باتجاه مدينة كركوك وأمام أكراد شمال سوريا الذين تمكنوا من تشكيل "قوة وطنية ضاربة" للمرة الأولى في تاريخ المناطق الكردية في الدول الثلاث: العراق وسورية وتركيا.

كما أن قيادة البيشمركة في حربها ضد "داعش" تخوض حرباً أخرى تؤسس من خلالها لقيام دولة كردستان المستقلة فوق الأراضي التاريخية للأكراد.

إذا ما تشابكت الحسابات وشعرت العواصم الغربية أن مشروع الكيان الكردي في شمال سوريا سيتعرقل بسبب الموقف التركي، فالحرب على "داعش" ستطول حتماً وربما لهذا السبب تحدثت واشنطن عن الحرب التي ستستمر لسنوات الى أن تنضج  "الطبخة الكردية".

سيناريو "تركيا قد تتحرك بمفردها وعلى حسابها" يحتاج الى ما يدفعها الى ذلك. الإعتداء على ضريح "سليمان شاه" يكفي لاستفزازها وإقحامها في الحرب على "داعش". "داعش" هدّدت أكثر من مرة وهي لم تنفّذ ذلك، فمن سيقوم بعملية من هذا النوع نيابة عنها؟

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس