بلال داود - خاص ترك برس

نقطتان مهمتان لا بد من النظر إليهما باهتمام بالغ عند الحديث عن حادث اغتيال السفير الروسي في أنقرة عصر يوم الاثنين 19 كانون الأول/ ديسمبر 2016، فإن هذه الحادثة لن تنتهي هنا وعلى الأغلب سيكون لها تبعات وتعقيدات تزيد الموقف الدولي الحالي تعقيدا وتشابكا حول القضية السورية:

أما النقطة الأولى فلا بد من الإقرار أن روسيا بجرائمها وفظائعها التي اقترفتها في سوريا وخرقت فيها كل أعراف وقوانين الحرب والعلاقات الإنسانية، هي المسؤولة الرئيسية عن اغتيال سفيرها في أنقرة، وأي عمليات مشابهة لها كرد فعل بشري لمظلوم مكلوم مقهور، فروسيا وبالتعاون مع إيران والميليشيات الطائفية الإيرانية والعراقية والأفغانية وغيرها من الميليشيات المحلية أو المجاورة كحزب الله اللبناني قد تجاوزت كل حد أو تصور وقد خرقت جميع الأعراف والقوانين الدولية التي تعارف عليها الإنسان عبر التاريخ حتى وصل إلى قوانين الحروب والسلم و قواعدها التي تأسست عليها الأمم المتحدة وباقي المنظمات البشرية التي تعنى بشؤون الإنسان ومناطق النزاع والحروب والأسرى وكذلك ما تأسست عليه محاكم لاهاي لجرائم الحرب ومجرمي الحرب.

النقطة الثانية: إن اغتيال السفير الروسي في أنقرة من قبل ضابط أمن مرافق له وهو يصرخ بعبارات إسلامية، مثل (الله أكبر) أو التعبير عن أن فعله هذا هو من قبيل الحمية الإسلامية لإخوانه المضطهدين في سوريا وحلب كما ظهر في الفيديو المنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنما هو  خطأ جسيم وإساءة كبيرة للإسلام وتركيا والثورة السورية ومضرة جدا، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

أولا: هذا الرجل مُؤمَّن (أُعْطيَ الأمان عندما اعتمدت أوراق اعتماده سفيرا لبلاده في أنقرة) فهو كالرسول لا يجوز قتله ولا سجنه حسب الشريعة الإسلامية وكذلك حسب قوانين العلاقات الدولية، وقد قتله موظف رسمي يمثل الحكومة التركية التي أعطته الأمان، وأثناء كتابة هذا المقال تشير الأخبار الدولية أن القاتل إنما اخترق مكان الحادث بواسطة تصريح أمن مزور، وإن كان هذا يخفف من وطأة المشكلة قليلا، إلا أنه يفتح أبوابا أخرى في التساؤل عن ضعف الأمن التركي بحيث تتم عملية اختراقه بهذه البساطة، وهذا في المحصلة ستتحمل عاقبته الحكومة التركية بمجملها، فهي كتلة واحدة بمن فيهم أفراد الجيش والشرطة ورجال الأمن والموظفين الحكوميين.

ثانيا: القاتل تمثل الشخصية الإسلامية بعباراته التي نادى بها من تكبير وذِكر لقضية حلب حسب ما نشرته وسائل الإعلام من شريط فيديو يمثل عملية الاغتيال وعملية قتل المتهم الذي قام بها، وبالتالي سيقال هذا هو الإسلام الذي لا يرعى عهدا ولا ذمة، ووسائل الإعلام الصهيوني مترصدة لكل هفوة تسيء إلى الإسلام والمسلمين في أي مكان، وستنسى هذه الوسائل ولو لفترة كل جرائم روسيا ضد الإنسانية والخروج عن قواعد الاشتباك وعدم التزامها بأي من معاهداتها الأمنية في الداخل مع المعارضة والفصائل الثورية.

ثالثا: إن كل عمل يسيء إلى الوضع الأمني في تركيا يسيء حقيقة إلى الاقتصاد التركي والموقف السياسي التركي والعلاقات الدولية التركية ويزيد من عزلتها التجارية التي تمت بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي جرت قبل أشهر، وكذلك نتيجة الجرائم الإرهابية التي تقوم بها الجماعات الإرهابية الانفصالية كحزب العمال الكردستاني ومن كان على شاكلته أو متوافقا معه، ومن ثم فإن ذلك يضر بالثورة السورية، فتركيا هي الحليف الأفضل (حتى الآن) للثورة السورية، وإن لم تكن الأكمل فلها أخطاؤها وتقصيراتها وعليها انتقادات كثيرة، إذ لا شك أن تركيا  تقوى في نصرة القضية السورية أو تضعف بحسب قوتها وضعفها.

رابعا: سنتسابق الآن نحن السوريين إلى المتناقضات، فبعضنا سيسارع للشماتة  بهذا القتيل ومعه روسيا كلها، وسيعتبر هذا العمل بطوليا ويقيسه بسليمان الحلبي الذي قتل الجنرال كليبر في مصر، وقد يزيد البعض في رفع مرتبته بين الشهداء إلى حيث يريدون، بينما البعض الآخر سيسارع للاستنكار والتبرئ مما حصل مما يزيد من التشظي الداخلي في الصف السوري، ولا أستبعد أن نقرأ للبعض اعتذارات واتهامات للإسلام من باب دعم التيار العلماني حيث يحلو لكثير من السوريين التعويل على هذا التيار كحارس محايد للشعب السوري في مواجهة تغول الدولة الإسلامية والقاعدة في المنطقة.

خامسا: سيقول البعض إن روسيا كلها هدف مشروع أينما كان وفي أي زمان، مقابل تفلتها من كل الجرائم التي تقوم بها وتساندها في سوريا، وهي تتترس بالفيتو أحيانا وبالتهرب من القانون الدولي أحيانا أخرى من خلال تذرعها أن وجودها في سوريا إنما هو بناءً على دعوة رسمية من النظام السوري، هذا التعبير (تجريم روسيا) وإن كان سليما في عمومه إلا أن هناك أيضا ميزان المصلحة التي ينبغي مراعاتها عند القيام بأي عمل، ومن يؤمن أن روسيا كلها هدف شرعي في أي مكان وزمان، عليه أن يتخير لانتقامه مكانا وزمانا لا يضره ولا يضر حلفاءه معه.

فالشاطر الذي يشعر في نفسه البطولة ويريد محاربة روسيا أمامه كل العالم إلا بضع دول لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة بمن فيهم تركيا وقطر هم حلفاؤه الذين يتضرر بضررهم وينتصر بانتصارهم.

أخيرا أظن أن هذه الحادثة لن تكون الأخيرة، بل ستكون هناك حوادث كثيرة وذلك تبعا لانفجار الصمام عند الإنسان المظلوم أينما كان وفي أي زمان.

عن الكاتب

بلال داود

كاتب و معارض سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس