أمل بارلار دال - ذا وورلد بوست - ترجمة وتحرير ترك برس

يبدو اغتيال السفير الروسي في تركيا أندري كارلوف على يد ضابط شرطة تركي في غير ساعات عمله، للوهلة الأولى عاملا جديدا في الحرب الدائرة في سوريا.

عندما اغتال مولود ميرت ألطنيطاش السفير كارلوف في فعالية عامة كانت الحرب السورية قد دخلت بالفعل مرحلة جديدة مع سقوط حلب بفضل الدعم الذي تقدمه روسيا وإيران. لكن بعيدا عن أن يؤدي الاغتيال إلى بداية حرب عالمية ثالثة، فقد سلط الضوء على محور قوة جديد يهيمن على الشرق الأوسط.

تتركز المرحلة الجديدة على ثلاث جهات إقليمية رئيسة على الأرض: تركيا وإيران وروسيا، مع تباين حسابات كل منها ومصالحه.

لا تـوجد أزمـة فـوريـة

خلافا للتعليقات المبكرة، ومثلما رأينا في التصريحات الصادرة عن قادة تركيا وروسيا، لم يؤد اغتيال السفير إلى أزمة فورية.

طُبعت أخيرا العلاقات بين البلدين في أعقاب إسقاط الطائرات التركية مقاتلة حربية روسية من نوع سوخوي 24 في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 بعد أن انتهكت المجال الجوي التركي.

تسلط التصريحات الصادرة عن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من أن بلاده تنظر بحذر إلى الاغتيال على أنه محاولة لتخريب العلاقات النامية بين البلدين، وتعبير الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان عن رغبة بلاده القوية في استمرار العلاقات الوثيقة مع روسيا، تسلط الضوء على الرغبة القاطعة للبلدين في الحفاظ على التعاون- رغم الخلافات الكبيرة- في الطريق الوعر نحو إنهاء الحرب الأهلية السورية.

تـوقـيـت حـرج

جاء الحادث الأخير في وقت تتعاون فيه تركيا وروسيا على إجلاء المدنيين من حلب، ووقع الحادث في توقيت حرج لثلاثة أسباب رئيسة:

الأول، شهدت الأيام العشرة الماضية موجة جديدة من الإرهاب في تركيا نفذتها جماعة صقور كردستان التابعة للمنظمة الانفصالية الكردية المعروفة باسم "بي كي كي"، وقد زادت هذه الهجمات الدعوات إلى الوحدة الوطنية ضد الإرهاب.

ثانيا، شعرت تركيا بتخلي حلفائها الغربيين عنها في جهودها لحماية نفسها من التداعيات غير المباشرة للحرب الأهلية السورية منذ عام 2015.

اختلفت تركيا في الآونة الأخيرة مع الولايات المتحدة حول تعاملها مع الأزمة السورية، وكذلك حول أفضل السبل لمحاربة الدولة الإسلامية .وقد دفعت الأزمة التي نشبت مع الاتحاد الأوروبي بشأن " صفقة اللاجئين" الحكومة التركية إلى البحث عن بدائل وتحالفات ظرفية مؤقتة من أجل حل الأزمة السورية في شكل تحالف مع روسيا وإيران.

ثالثا، جاء الحادث قبل يوم من الاجتماع الثلاثي المقرر للجهات الإقليمية الثلاثة المعنية عسكريا في الأزمة السورية. كان هذا الاجتماع أول لقاء مباشر مستقل عن مبادرات الأمم المتحدة الدبلوماسية، وبدون مشاركة الولايات المتحدة والجهات الإقليمية الفاعلة الأخرى، مثل المملكة العربية السعودية وقطر.

وأكد الاجتماع الالتزام القوي بالتعاون في مكافحة الإرهاب.

إعـادة تشــكـيل الـحســابـات الإقـلـيمية

إقليميا تبدو تركيا البلد الأكثر تضررا من الحرب الأهلية السورية، فقد كانت هدفا مباشرا لجماعات العنف القائمة في سوريا، مثل داعش، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بجانب جناحه العسكري وحدات الحماية الشعبية، كما استأنف حزب العمال الكردستاني العنف ضد الدولة التركية بعد ثلاث سنوات من عملية السلام.

وعلى رأس هذا كله تتحمل تركيا العبء المالي والاجتماعي الأكبر لتضييف ما يقرب من ثلاثة ملايين لاجئ سوري.

وحيث إن الحلفاء الغربيين لم يدعموا النهج التركي الذي تمحور في الصراع حول الأسد، فقد منعتها عزلتها التدريجية في الشرق الأوسط من مواصلة أجندة مرنة ومستقلة في سوريا.

دفع دخول روسيا إلى المستنقع السوري في سبتمبر/أيلول 2015 إلى جانب الوجود الإيراني المتزايد على الأرض إلى جعل تركيا أكثر عرض لانتشار الحرب الأهلية.

ويبدو أن هذه العوامل مجتمعة دفعت تركيا إلى إعادة النظر في سياستها في سوريا، وأن تأخذ في الحسبان تغير التوازن الإقليمي، واستراتيجيات القادمين الجدد، مثل روسيا.

وعلى الرغم من إعادة تركيا النظر في حساباتها الإقليمية، فإنها بوصفها حليفا قديما للغرب وعضوا في حلف شمال الأطلسي، لم تغير مواقفها في سوريا، وبقيت تحفظاتها الرئيسة على مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد.

التحـالـف التـركـي الـروســي الإيـرانـي الـجديـد

يبدو أن تفاقم التداعيات غير المباشرة للحرب السورية، إلى جانب استراتيجية الغرب بعدم التدخل، قد أجبر تركيا على العودة إلى استراتيجيتها التقليدية من تنويع خيارات السياسة الخارجية وتنويع الشركاء.

تعكس تصريحات وزراء خارجية الدول الثلاث في أعقاب الاجتماع الروسي التركي الإيراني مصالحهما المشتركة في إيجاد حل سياسي سلمي للجمود المستمر، وقد قدم الإجلاء المستمر للمدنيين من حلب الأمل في فعالية الآلية الثلاثية لحل النزاعات الإقليمية وكفاءتها.

يمكن النظر أيضا إلى ردود الأفعال على اغتيال السفير على أنها مؤشر جيد على الترابط المتزايد بين تركيا وروسيا بشأن سوريا وغيرها من المشاكل الأمنية الإقليمية.

في الواقع أتاحت عدم رغبة أمريكا في العمل وسيطا للسلام في سوريا، لروسيا القيام بدور قيادي في الأزمة، وتعزيز قدرتها على المناورة على الأرض.

ونظرا للغموض الذي يكتنف سياسة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب المحتملة في سوريا، يبدو من المرجح أن الجهات الإقليمية الفاعلة سيكون لديها المجال لتولي أدوار إضافية أسهل في التعامل مع الأزمة في الأشهر المقبلة.

تكشف حادثة الاغتيال أن إطالة أمد الأزمة لن يخدم مصالح أحد، فقد صار الصراع في الوقت الراهن لا يطاق بالنسبة إلى جميع الأطراف المعنية.

تحتاج جميع الأطراف المعنية في سوريا في الوقت الحالي إلى اتخاذ إجراء يتحلى بمسؤولية أكبر بهدف استعادة الأمن. وقد أثبتت حادثة الاغتيال أن روسيا وتركيا، إلى جانب إيران، تحتاجان إلى تشكيل بيئة ما بعد الحرب السورية في منطقة الشرق الأوسط.

إن وجود تركيا في هذا التحالف المؤقت يدل على الإخفاق التام للفاعلين الغربيين في سوريا، ويقدم أدلة على كيفية تشكيل النظام الجديد في الشرق الأوسط في المستقبل.

عن الكاتب

أمل بارلار دال

استاذة العلاقات الدولية في جامعة مرمرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس