إسماعيل ياشا - عربي 21

تتعرض الحكومة المنتخبة في الأنظمة الديمقراطية لانتقادات الأحزاب والقوى المعارضة. وليس شرطا في تلك الأنظمة أن يتوحد المجتمع على قلب رجل واحد ليدعم سياسات الحكومة وجميع مواقفها. ولكن تلك الانتقادات والاحتجاجات لا تعرقل عمل الحكومة لتنفيذ برامجها، إلا إذا توسعت دائرة الاستياء الشعبي ورقعة الاحتجاجات لدرجة تشمل الأغلبية، فحينئذ يختلف الأمر، وقد تضطر الحكومة لمراجعة حساباتها والتراجع عن بعض مواقفها بناء على طلب الشعب. ولذلك تسعى المعارضة بين الحين والآخر إلى إثارة الشعب وتشجيعه على الخروج إلى الشوارع والساحات في أنحاء البلاد للضغط على الحكومة.

المعارضة التركية كانت قبل انطلاق عملية درع الفرات تتهم الحكومة بالتساهل في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي والخطر الذي يأتي إلى البلاد من وراء الحدود. وكلَّما فجَّر انتحاري نفسه في إسطنبول أو أنقرة أو أي مدينة تركية أخرى، وكلّما سقطت قذيفة قادمة من الجهة الأخرى للحدود داخل الأراضي التركية، تساءلوا: "أين الحكومة؟"، و"لماذا لا تتخذ التدابير اللازمة؟". وبعد أن قررت الحكومة التركية إطلاق عملية درع الفرات ودخلت القوات التركية إلى الأراضي السورية لإبعاد عناصر التنظيمات الإرهابية عن الحدود بدأت المعارضة، باستثناء حزب الحركة القومية، تتذمر وتقول: "ماذا يفعل جنودنا في سوريا؟"، و"لماذا يموت أبناؤنا من أجل غيرنا؟". 

وفي محاولة لاستغلال موقف المعارضة من التدخل في سوريا وإثارة الشعب التركي ضد حكومة بلاده، نشر تنظيم داعش الإرهابي قبل أيام مقطع فيديو يظهر فيه إحراق رجلين في منطقة صحراوية يزعم التنظيم أنهما جنديان تركيان أسرهما في حلب. وبعد فترة وجيزة من نشر المقطع، قامت السلطات التركية باتخاذ تدابير للحيلولة دون انتشاره حتى لا تحقق دعاية التنظيم الإرهابي أهدافها، وتم حجب بعض مواقع التواصل الاجتماعي لعدة أيام. 

كان المقطع صادما للغاية إلا أن الحكومة التركية نجحت في استيعاب الصدمة، وساعدها في هذه المهمة الاعتقاد السائد لدى الكثيرين بأن مقاطع داعش الهوليوودية ما هي إلا تمثيلية يتم تصويرها في الاستوديوهات، كما أن وسائل الإعلام التركية امتنعت عن نشر المقطع وتناول الموضوع بما يخدم دعاية التظيم الإرهابي، باستثناء وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري وإيران، والتي حاولت توظيف المقطع ضد موقف الحكومة التركية الداعم للثورة السورية.

وزارة الدفاع التركية أعلنت فتح التحقيق للتأكد من صحة المشاهد التي يحتويها مقطع الفيديو المنشور، كما أن وزير الدفاع التركي فكري إيشيك أشار إلى وجود ثلاثة جنود أتراك لدى تنظيم داعش الإرهابي، مضيفا أن عواقبهم غير معروفة ولا يمكن التأكد من صحة أي معلومة أخرى. وذكر نائب رئيس الوزراء التركي والناطق باسم الحكومة نعمان كورتولموش، في المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس الثلاثاء في قصر تشانكايا بعد اجتماع مجلس الوزراء، أنه لا توجد لدى وزراة الدفاع التركية أو القوات المسلحة التركية معلومات مؤكدة حول صحة تلك المشاهد، داعيا وسائل الإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي لتوخي الحذر والحفاظ على المصداقية إزاء مقاطع من هذا القبيل.

المقطع الذي نشره داعش، لم يشاهده كثير من المواطنين الأتراك إلا أن أنباءه وصلت إلى الجميع. وبِغَضِّ النظر عن صحته، فقد نجح المقطع المنشور في إثارة الشارع التركي، ولكن ليس ضد الحكومة، بل ضد هذا التنظيم الإرهابي نفسه. وكل مواطن تركي شاهده أو سمع عنه طالب الحكومة التركية بالثأر من عناصر داعش وتدمير أوكارهم. 

حزب الحركة القومية المعارض برئاسة دولت باهتشلي يدعم تدخل القوات التركية في شمال سوريا للدفاع عن الأمن القومي التركي، ويشدد على ضرورة تحرير مدينة الباب من قبضة تنظيم داعش الإرهابي. ويفوق التأييد الشعبي لعملية درع الفرات شعبية الحكومة التركية. وتدرك الأغلبية في تركيا مدى أهمية العملية في هذه المرحلة الحساسة للحفاظ على أمن البلاد وإبعاد التنظيمات الإرهابية عن الحدود. 

الأتراك يعرفون أن بلادهم تخوض حربا ضد التنظيمات الإرهابية، سواء داخل تركيا أم خارجها، وأن سقوط شهداء في هذه الحرب أمر لا مفر منه. وقدَّم الشعب التركي مئات الشهداء خلال العقود الأخيرة في القتال ضد حزب العمال الكردستاني. وبالتالي لا يمكن أن ينجح داعش ولا غيره من التنظيمات الإرهابية في ثني تركيا عن المضي قدما في مكافحة الإرهاب الذي يهدد أمنها واستقرارها.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس