إسماعيل ياشا - العرب القطرية

يبدو أن جماعة فتح الله غولن اقتنعت أخيرا بضرورة تأسيس حزب سياسي تابع لها، بعد أن ظلت منذ انطلاقها تمارس السياسة من خلال التحالفات مع الأحزاب الأخرى، وكانت هناك دعوات لتأسيس الجماعة حزبا لتمارس السياسة بشكل علني وليس من وراء الستار.

هذه خطوة إيجابية يجب تشجيعها، لأن السياسة ساحتها وأدواتها معروفة، ومن الأفضل للجماعة أن تمارس السياسة في ساحتها الطبيعية وبأدواتها المشروعة للحصول على ثقة الشعب، بدلا من محاولات السيطرة على الحكم من خلال التغلغل في أجهزة الدولة وعبر مؤامرات تحاك في الظلام. وإن كانت الجماعة ترفع منذ تأسيسها شعار "أعوذ بالله من السياسة" على الرغم من أنها غارقة في السياسة من رأسها حتى أخمص قدميها، وإن كان زعيمها فتح الله غولن قد قال يوما من الأيام: "لو أسَّس جبريل عليه السلام حزبا سياسيا لا أُصوِّت له"، إلا أن قرار الجماعة تأسيس حزبٍ سياسيٍ خطوةٌ بالاتجاه الصحيح ليرى الجميع مدى التأييد الشعبي لآرائها ومواقفها وسياساتها.

النائب "إدريس بال" الذي استقال من حزب العدالة والتنمية في نهاية نوفمبر 2013 احتجاجا على موقف حزبه من جماعة غولن، أعلن قبل أيام نيّته تأسيس حزب سياسي جديد، وقال بالحرف الواحد: "نعمل على تأسيس هذا الحزب منذ سنتين". وهذا التصريح يعني اعترافا صريحا بأن الجماعة كانت تتآمر على حزب العدالة والتنمية منذ أكتوبر 2012، وأن الجماعة حسمت أمرها قبل محاولة الانقلاب في 17 ديسمبر 2013، وحتى قبل أحداث منتزه "غزي" باسطنبول في أبريل/ نيسان، وأنها كانت منذ ذلك الحين تحفر لحزب العدالة والتنمية حفرة وتعمل لشق صفوفه والانقلاب على الحكومة. ولعل السؤال الذي يجب أن يوجَّه إلى السيد "بال" هو: "كيف جلست في صفوف حزب العدالة والتنمية لمدة أكثر من سنة وأنت تعمل ضده مخفيا نيتك المبيتة؟"، لأنه كان عليه - من الناحية الأخلاقية - أن يقدم استقالته قبل أن يبدأ العمل لإنشاء حزب سياسي جديد.

جماعة غولن تحالفت في الانتخابات المحلية والرئاسية مع حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية، ولكن هذا التحالف لم يحقق الفوز الذي من أجله تم تشكيله، بل فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية كما فاز أردوغان في الانتخابات الرئاسية. وهذا النوع من التحالف لا يبدو ممكنا في الانتخابات البرلمانية التي من المقرر إجراؤها في صيف العام القادم بسبب الفشل الذريع الذي مني به تحالف الحزبين والجماعة، وكذلك بسبب طبيعة الانتخابات البرلمانية التي سيسعى جميع الأحزاب للحصول على أعلى نسبة يمكن أن يحصل عليها.

رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي اتهم يوم الثلاثاء الماضي جماعة غولن بأنها حاولت السيطرة على حزبه من خلال التغلغل في صفوفه إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك. وهذا التصريح يغلق تقريبا باب التحالف بين حزب الحركة القومية وجماعة غولن. وقد يسعى الحزب الجديد للتحالف في الانتخابات البرلمانية مع حزب الشعب الجمهوري، نظراً لعدم قدرته على تجاوز حاجز 10 بالمائة ليدخل البرلمان، ولكن حزب الشعب الجمهوري قد لا يقبل هذه المرة التحالف مع جماعة غولن.

الحزب الجديد لم يعلن حتى الآن اسمه ولا شعاره ولا برنامجه، إلا أن الجميع يعرف أنه سيكون "حزب جماعة غولن". وقد يكون الهدف من تأسيس هذا الحزب منافسة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية القادمة إلا أن هذه المهمة لن تكون سهلة، لأن هذه المنافسة تمت تجربتها في الانتخابات المحلية والرئاسية ولم تنجح. ومن الصعب جدا أن يجد حزب الجماعة ناخبا صوَّت في الانتخابات المحلية والرئاسية لحزب العدالة والتنمية ويقبل هذه المرة التصويت لحزب الجماعة. وبالتالي، قد يدخل الحزب الجديد المعترك السياسي لينافس الأحزاب المعارضة ويحصل على أصوات مؤيديها ليشكل خطرا عليها على غير المتوقع، لأن الساحة السياسية في تركيا لا تعاني من غياب حزب حاكم قوي، بل تعاني من غياب معارضة تقدم للمواطنين الخطط والآمال.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس