جورجيو كافيرو - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

بعد أن عرضت داعش في الثاني والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر مقطع فيديو للحرق الهمجي لجنديين تركيين في شمال سوريا، أدان مسؤولون بحرانيون على الفور "الجريمة الوحشية الإرهابية". كان رد فعل المنامة السريع أحدث علامة على الشراكة التركية البحرينية المتنامية التي تهدف إلى التصدي للتهديدات الأمنية المتزايدة. تسعى البحرين وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعميق العلاقات مع أنقرة، حيث ترى المملكة الأرخبيلية التي تعد واحدة من أقوى بؤر التوتر الطائفي في الشرق الأوسط، نفسها تتعرض لتصاعد المد الجهادي السلفي المتطرف، وكذلك لخطر الهيمنة الإيرانية في جميع أنحاء العالم العربي.

منذ تولى حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا قبل 14 عاما تحسنت علاقات أنقرة تحسنا كبيرا مع دول مجلس التعاون الخليجي التي رحبت بتحول تركيا من سياسة "الإهمال الحميد" مع دول المجلس إلى سياسة "الاهتمام النشط". في العام الماضي دعمت دول مجلس التعاون حكومة الرئيس، رجب طيب أردوغان، بعد محاولة الانقلاب، وتلا ذلك قرار المجلس بتصنيف حركة فتح الله غولن (التي تتهمها أنقرة رسميا بتدبير محاولة الانقلاب الساقط) جماعة إرهابية وذلك تأكيدا على التزام البحرين ودول الخليج العربي الأخرى بتعميق علاقاتها مع تركيا.

في تشرين الأول/ أكتوبر التقى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، نظراءه من دول مجلس التعاون في السعودية، وأصدورا بيانا مشتركا استنكر "الغارات الجوية العشوائية على حلب" معربا عن أسفه العميق لإخفاق الأمم المتحدة في تحقيق السلام في حلب. وأكد البيان "رفض المشاركين المطلق لاستخدام الأراضي العراقية ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية لتنفيذ هجمات إرهابية، بما في ذلك تهريب الأسلحة والمتفجرات".

وعلى الرغم من أن حجم تجارة البحرين مع تركيا أقل من الدول الخمس الأخرى الأعضاء في المجلس، فإن هناك أبعادا أمنية مهمة في العلاقات بين المنامة وأنقرة التي تحذو فيها البحرين حذو السعودية وقطر باللجوء إلى تركيا للتعاون في الأزمات الإقليمية. في آب/ أغسطس كان ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، أول زعيم عربي يزور تركيا منذ الانقلاب الساقط قبلها بشهر. وبعد أن تلقى ترحيبا حارا من أردوغان، وقع الزعيمان على العديد من الاتفاقات في مجال الطيران والثقافة والتعليم والقطاع القانوني والرياضي. وقد ذكرت وكالة الأنباء البحرينة أن حمد وأردوغان ناقشا العلاقات الثنائية القوية والقضايا الإقليمية والدولية وآخر التطورات. تحدث أردوغان قبل اجتماع الوفدين وقال "إن تركيا لن تنسى أبدا موقف البحرين الذي سيبقى محفورا في الذاكرة" وامتدح حمد "أهمية العلاقات الأخوية بين البحرين وتركيا".

بالنسبة إلى البحرين فإن احتمال أن يخلف البحريني تركي البنعلي أبو بكر البغداي الخليفة المزعوم، هو احتمال مزعج نظرا لقدرة البنعلي الدعوية على تجنيد مواطنين خليجيين أكثر شبابا لقضيته البغيضة. وحيث إن داعش يدافع عن معقله في الموصل بالعراق، ومع كون عام 2017 حاسما لمستقبل الرقة في سوريا، فإن دولة داعش قد توجه مزيدا من العنف نحو أهداف محددة في المنطقة لإظهار قدرة داعش على البقاء تهديدا كبيرا للأمن الإقليمي حتى بعد خسارته معاقله في العراق وسوريا.

البحرين التي يحكمها نظام ملكي موال للغرب، ومعروفة بمعاييرها الليبرالية (حسب معايير الخليج العربي) هي هدف لدعاية داعش. في وقت سابق من شهر ديسمبر، دعا داعش أتباعه لمهاجمة البحرين في المدة التي سبقت زيارة وزير الدفاع الأمريكي، أشتون كارتر، المملكة. حث داعش أتباعه في مقطع فيديو على ضرب الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، والمواطنين الشيعة في البحرين، موجها رسالة إلى المسؤولين في دول مجلس التعاون الخليجي باهتمام داعش بتوسيع نطاق عملياتها في مشيخات الخليج العربي عام 2017. وحيث إن تركيا ما تزال مشغولة بعملية درع الفرات في سوريا، ونظرا لاستمرار داعش في الهروب من رادار أجهزة الأمن التركية وقتل المئات داخل الأراضي التركية في عمليات إرهابية، فإن المنامة وأنقرة ستحرصان على تعزيز التعاون الثنائي الذي يشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعامل مع التهديد المشترك المتمثل في داعش.

تُولي السلطات البحرينية أهمية كبرى للأنشطة الإيرانية في المنطقة ولاسيما في الخليج العربي. ينظر المسؤولون في المنامة، مثل نظرائهم في الرياض، إلى السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية على أنها تهديد وجودي. يستخدم قادة طهران في كثير من الأحيان خطابا حادا للتنديد بشرعية أسرة آل خليفة، وإحياء المطالب الفارسية القديمة في مملكة البحرين، ويعلنون أنهم ما يزالون ينظرون إلى البحرين بوصفها المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة، على الرغم من أن الشاه تخلى عن هذه المطالب عام 1970. منذ الثورة الإيرانية عام 1979 تتهم البحرين بانتظام طهران بتمويل الجماعات الشيعية في المملكة، الدولة الوحيدة ذات الأغلبية الشيعية بين دول مجلس التعاون الخليجي، بهدف إسقاط الحكام السنة، وإيجاد نظام شيعي موال لإيران في المنامة.

لا تنظر تركيا إلى التهديد الإيراني من خلال عدسة البحرين أو السعودية، بل على العكس عمقت تركيا وإيران علاقتهما الاقتصادية منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002. دعمت أنقرة بقوة تمرير الاتفاق النووي الإيراني في العام الماضي، وفي يوليو/ تموز هرع مسؤولون في طهران إلى الوقوف إلى جانب أردوغان بعد الانقلاب الساقط. وحيث إن تركيا تتجه جيوسياسيا نحو الشرق في خضم تصاعد التوتر مع واشنطن، فإن العوامل الإيرانية تشغل حيزا كبيرا في فكر السياسة الخارجية التركية. وعلاوة على ذلك من المرجح أن تخلق مسألة كردستان أرضية مشتركة تدفع الحكومتين إلى مزيد من التقارب.

على أن العلاقات بين تركيا وإيران ليست بالأمر الهين، حيث تنظر حكومة أردوغان إلى إيران والميليشات الشيعية التي تدعمها في العراق على أنها تعتدي على مجال النفوذ التاريخي لتركيا. وفي العام الماضي ذكر أردوغان أن جهود إيران للهيمنة على المنطقة تبدو مزعجة. ومع استمرار المعركة من أجل السيطرة على الموصل فإن الحكومة المدعومة من إيران في بغداد ستبقى على الأرجح على خلاف مع أنقرة. تضم مصالح تركيا في الموصل وما حولها ما يلي: إضعاف بي كي كي، وإضعاف تأثير فرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، وإلحاق الهزيمة بداعش، وحماية الأقلية التركمانية في العراق، والسيطرة على تدفق اللاجئين إلى تركيا، وخلق قوة سنية موالية لتركيا في الموصل بعد خسارة داعش لمعقلها. ومما لا شك فيه أن تضارب المصالح بين أنقرة وبغداد حول مستقبل الموصل سيخلق مشكلات للعلاقات بين تركيا وإيران. إن تصاعد نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران في العراق هو بالتأكيد مصدر قلق مشترك للمسؤولين الأتراك والبحرينيين الذين لا يرحبون بتوسيع النفوذ الإيراني في الأراضي العربية السنية وتعزيزه.

وبالنظر إلى عام 2017 فإن تركيا تستعد للعب دور مهم في استراتيجية البحرين لتعزيز توازنها الخارجي، حيث ما يزال النظام الجيوسياسي في الشرق الأوسط سائلا وبالغ التقلب. ستواصل البحرين العمل بشكل وثيق مع حلفائها التقليديين في دول مجلس التعاون الخليجي، ومع حلفاء المملكة الغربيين أيضا، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وبريطانيا. يشعر البحرينيون بقلق متزايد تجاه استمرار اعتمادهم الكبير على واشنطن في سياستهم الدفاعية، ويرجع ذلك أساسا إلى خلاف المنامة مع إدارة باراك أوباما، والمخاوف الكبيرة من رئاسة دونالد ترامب. وفي هذا الصدد تعيد البحرين تعريف أجندة سياستها الخارجية، والتزام الحذر، والتحول إلى دول غير غربية وغير خليجية مثل تركيا والهند وروسيا بوضفهم حلفاء خارجيين يشاركون المنامة بعض مصالحها وتصوراتها الرئيسة للتهديدات العابرة للحدود.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس