دانيال فرني - صحيفة سلايت - ترجمة وتحرير ترك برس

أردوغان يعيد النظر في سياسته الدبلوماسية

ساهم التفجير الإرهابي الأخير، الذي استهدف ملهى ليليا في إسطنبول، في تعميق جراح تركيا التي كانت منذ سنتين مسرحا لعدة عمليات إرهابية خلفت أكثر من 400 قتيل.

وفي أعقاب الهجوم الإرهابي الأخير في إسطنبول، تبنى تنظيم الدولة العملية التي استهدفت الملهى الليلي، رغم أنه لم يصرّح مطلقا بأنه قد أدرج فعليا تركيا على لائحة أعدائه المستهدفين.

وفي الأثناء، تواجه تركيا العديد من الأعداء الذين يستهدفون أمنها واستقرارها من خلال الهجمات الإرهابية، نظرا لدورها الإستراتيجي داخل دوامة الصراعات في الشرق الأوسط. ولعل من بين أبرز الصراعات التي تخوضها تركيا منذ عقود، معركتها المستمرة ضد حزب العمال الكردستاني. بالإضافة إلى ذلك، وجدت تركيا نفسها في خضم الصراع السني الشيعي، وحرب مفتوحة ضد تنظيم الدولة بالاشتراك مع التحالف الدولي.

وفي نفس السياق، أفاد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن حزب العمال الكردستاني يمثل العدو الأول الذي يهدد أمن تركيا. وبالرغم من ذلك، تبنى أردوغان سياسة دبلوماسية خارجية مختلفة، حيث جعل من الداعية، فتح الله غولن، عدوه بعد أن كان أحد أهم حلفائه، إلا أن ذلك لن يحدّ من خطورة الهجمات الإرهابية التي قد تتعرض لها تركيا مستقبلا.

غموض في العلاقة مع تنظيم الدولة

في الواقع، لم تبد السلطات التركية موقفا صارما وواضحا من تنظيم الدولة في الوقت الذي يقف فيه التنظيم في وجه أي طموح كردي لإعلان منطقة مستقلة بذاتها في شمال سوريا، وتحديدا في المناطق المشرفة على الحدود التركية. والجدير بالذكر، أن وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة أحد فروع حزب العمال الكردستاني، تعمل على تحقيق هذا الطموح خلال الحرب في سوريا. ويواصل تنظيم الدولة حربه ضد نظام بشار الأسد، الذي أصبح منذ قيام ثورات الربيع العربي عدو أردوغان، بعد أن كان أبرز أحد حلفائه.

من جهة أخرى، كان التنظيم يستغل الطرق التركية لتهريب السلاح وتهريب المقاتلين. بالإضافة إلى ذلك، كان التنظيم يستخدم الأسواق التركية لبيع النفط الذي سطا عليه خلال تقدمه في العراق.

في المقابل، انقلب الوضع رأسا على عقب، فور تدخل التحالف الدولي لوضع حد لتنظيم الدولة، فقد سلّط التحالف الدولي العديد من الضغوط على أنقرة لتوضيح موقفها من تنظيم الدولة. ونتيجة لذلك، عقد الرئيس التركي اتفاقا مع القوى الأوروبية يقضي بغلق الحدود التركية أمام أفواج اللاجئين نحو القارة العجوز، شريطة أن يتمتع الأتراك بامتيازات إضافية في أوروبا. لكن الإتحاد الأوروبي لم يلتزم بوعوده كاملة، الأمر الذي جعل أردوغان يهدد بإلغاء الاتفاق نهائيا.

خلافا لذلك، استقبلت الولايات المتحدة الأمريكية، فتح الله غولن، المتهم الرئيسي في العمليات الإرهابية التي طالت تركيا، والعقل المدبر للانقلاب الفاشل يوم 15 تموز/ يوليو. وبالرغم من مطالبة تركيا بتسليم غولن من أجل محاكمته أمام القضاء التركي، إلا أن واشنطن رفضت ذلك في العديد من المناسبات.

انعكاسات الانقلاب العسكري

توترت العلاقات التركية الروسية مع نهاية سنة 2015، إثر حادثة سقوط الطائرة الروسية بعد اختراقها المجال الجوي التركي. وفي أعقاب هذه الحادثة، تبادل الرئيس التركي ونظيره الروسي سلسلة من التصريحات اللاذعة، تنديدا بالواقعة. وفي المقابل، اعتذر أردوغان من عائلة الطيارين الروسيين اللذان سقطا ضحية الحادثة، دون أن يوجه اعتذارا رسميا للحكومة الروسية. وقد تداولت عديد الأطراف التركية فرضية انتماء الطيار التركي الذي أسقط المقاتلة الروسية، لجماعة فتح الله غولن.

ومن جانب آخر، كانت روسيا الجهة الرسمية الوحيدة التي أعلنت دعمها لأردوغان والحكومة التركية بعد الإعلان عن تنفيذ الانقلاب، على عكس الدول الغربية التي انتهجت سياسة الترقب. وبالإضافة إلى ذلك، اتهم أردوغان، وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة.

نتيجة لذلك، شهدت العلاقات التركية الروسية تقاربا هو الأول من نوعه بغض النظر عن التوتر الذي هز العلاقات بين البلدين خلال شهر تموز الماضي. ومن هذا المنطلق، كان جليا أن أردوغان قد استغنى عن حلفائه التقليدين مثل دول حلف الناتو، وقرر التحالف مع الروس والإيرانيين. وفي نفس السياق، استغلت موسكو فترة "العزلة الإقليمية والدولية" التي تمر بها أنقرة، لتعلن عن صداقتها ودعمها لتركيا.

بوتين سيد اللعبة

تواصل تركيا دعمها لبعض كتائب المعارضة المسلحة المناهضة لنظام بشار الأسد، وتنظر روسيا بعين الرضا لهذا الدعم، لأنه يضفي شيئا من الشرعية على المفاوضات التي تقودها، والتي تستوجب عادة حضور طرفي النزاع.

ومن وجهة نظر أنقرة، فإن هذا التحالف يعتبر ضمانا لمنع ظهور منطقة كردية مستقلة على مشارف حدودها الجنوبية مع سوريا. إلا أن تحالف تركيا مع روسيا يستوجب قبولها ببقاء بشار الأسد في الحكم.

وبالنسبة لإيران، فقد خرجت مستفيدة من هذا التحالف بعد أن تمكنت من وضع حد لطموح أردوغان الذي كان يسعى للترويج لرؤيته السياسية في الدول العربية.

وفي نفس السياق، لا يخفي بوتين ارتياحه بعد أن أصبح سيد اللعبة في الشرق الأوسط، خصوصا بعد أن نجح في إقصاء الغرب نهائيا من طاولة المفاوضات حول الأزمة السورية. وحفاظا على تقاربه مع تركيا، اعتبر بوتين  حادثة اغتيال السفير الروسي في أنقرة على يد شرطي تركي، محاولة "لتخريب" العلاقات بين البلدين.

في السنوات السابقة، أسس أردوغان علاقة دبلوماسية جيدة مع جيرانه. وتميزت هذه العلاقة بتطبيق سياسة "صفر من الأعداء"، عندما كان داود أغلو رئيس الحكومة التركية. وفي المقابل، انتقد البعض سياسة تركيا في التعامل مع البلدان الأوروبية التي عملت بدورها على عزل تركيا. وبالتالي، قرر أردوغان الخروج من هذه العزلة ومواجهة أعدائه، رغم علمه بما ينطوي عليه ذلك من خطورة على الأمن القومي لبلاده.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس