محمود أوفور – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

محافظة ماردين التركية التي تقع على الحدود السورية، كانت عبر التاريخ المدينة الأكثر سحرا في بلاد ما بين النهرين، وهي اليوم مرتبطة ارتباطا متجذرا بتاريخها، عبر ما نراه في شوارعها وأزقتها من مبان تاريخية حافظت على وجودها برغم كل عمليات التحضر والتمدن التي جرت في المحافظة، وبرغم كل أعمال العنف التي رافقت المعارك بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني في السبعينات.

كنا على مدار عامين ماضيين متفائلين جدا بمستقبل عملية السلام مع الأكراد، لكن خلال يومين فقط من هذا الشهر (6-8) كادت أن تتحول العملية إلى خراب، وأنقاض مدمرة.

الكل هنا يؤمن بأهمية تحقيق عملية السلام، لكن نزول قوات الجيش إلى الشوارع لأول مرة منذ سنوات طويلة، يشعرنا بضيق صدر وقلق تجاه هذه المسألة في الوقت الراهن، لأن هذه البلاد بحاجة إلى السلام وإلى التفاوض.

لا نريد العودة إلى الماضي البعيد، والذي استمر 90 سنة منذ تأسيس الجمهورية التركية وقرارات "المنع"، فدعونا نتذكر الأحداث الدموية التي جرت في التسعينات، فكلنا نتذكرها ونتذكر الألم الذي شعرنا به في تلك الفترة، وكذلك السياسيون الأكراد اليوم يتذكرون تلك المأساة.

لهذا فإنه علينا أن نسأل الساسة الأكراد، الذين شهدوا تلك الأحداث وعاشوها، وهم اليوم بيننا يقودون الحراك السياسي الكردي، وعلى رأسهم "أحمد ترك" و"ليلى زانا" و"خطيب دجلة"، نريد أن نسألهم السؤال التالي :"إلى أين نحن ذاهبون؟".

هل تريدون التصرّف بناء على استغلال الفرص المتاحة؟ أم تريدون تأسيس حياة جديدة وتريدون هدم الحياة التي نعيش فيها اليوم متحدين مع بعضنا البعض؟ لأننا هنا نتحدث عن مجتمع تركي متماسك ومتحد ويعيش مع بعضه البعض منذ زمن طويل.

بالنسبة لنا اسطنبول مثل ماردين، وديار بكر مثل إزمير، وشانلي أورفا مثل طرابزون، أما أنتم، إذا كنتم تتصرفون عكس ذلك، فهذا يعني أن هناك خلل فاضح في سياستكم.

ألا تريدون إرساء مبادئ الوحدة والاتحاد بين أطياف الشعب ككل، بدلا من العودة إلى ما كان عليه الوضع في القرن الماضي ومنذ تأسيس الجمهورية التركية؟ الإرادة المدنية الشعبية انطلقت قبل عامين واتحدت في مجلس الأمة من أجل إصدار دستور مدني جديد.

كانت النية تسير بهذا الاتجاه، لكن لم يستطيعوا تحقيق ذلك، لأن المعارضة رفضت الموافقة على المادة 60 من الدستور، ووقوفا أمام هذه الحقيقة، هل نستطيع استنتاج من المستفيد الأول من أحداث الفوضى والعنف التي جرت في الشارع قبل أسبوعين؟

لا يليق بمدينة مردين مشهد العساكر الممتدين على طول شوارعها وبينهم مسافة 90 سم، كما لا يليق بها منظر الشباب الغاضبين الذين يريدون حرق الشوارع وتدمير الممتلكات، لأن ذلك يتنافى مع التجربة السياسية لهذا البلد.

حققنا العديد من التطورات والتقدم في عملية السلام، وهناك تراكمات إيجابية عديدة يمكن البناء عليها، لكن من يريد هدم كل شيء هم بلا شك يريدون تحقيق "حسابات أعجمية"، من خلال الاندماج "بألاعيب القوى العالمية"، وهذا ما لا نريده.

وكما قال "طارق ضياء إكنجي"، لا يوجد حل آخر للأكراد الذين يبحثون عن الاعتراف بهويتهم منذ قرن، سوى بالإيمان بعملية السلام.

عن الكاتب

محمود أوفور

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس