ترك برس

أشار مقال للكاتب والمحلل السياسي اللبناني، جورج سمعان، بصحيفة "الحياة" اللندنية، إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عزز تفاهمه مع تركيا أثناء معركة حلب ثم في ضمانِهما وقف النار، وهو يعول على دورها في إقناع المعارضة السياسية والمسلحة بالمشاركة في المسار السياسي.

وقال سمعان إن بوتين أمَر بسحب قطعاته البحرية من المتوسط، وهي "رسالة واضحة أنه لم يعد معنياً بمزيد من القتال، ولم يعد بحاجة إلى مزيد من العمليات الكبرى، حقق ما يريد. نصرُه في حلب أعاد إلى روسيا صورتها كقوة دولية".

ورأى أن بوتين كسب مزيداً من الشعبية في الداخل ساهم في رفعها تحسن أسعار النفط والاتفاقات التي توصل إليها مع "أوبك" وشركاء آخرين من خارجها، ورسخ أقدام بلاده في الشرق الأوسط، لتكون لاعباً رئيسياً ترفدها شبكة من العلاقات والتحالفات، من مصر إلى تركيا. وضمن "شرعية" دائمة لقاعِدتيه في حميميم وطرطوس.

وأعاد إلى المؤسسة العسكرية السورية بعض الثقة بالنفس، مثلما أعاد هيكلة أركانها وقطعاتِها. وهو منكب على تأسيس "الفيلق الخامس" للملمة عناصر ميليشياوية وضبطها في إطار عسكري منظم. لكنه يعي جيداً أن له شركاء آخرين في هذا "النصر" أبرزهم طهران وأنقرة، فضلاً عن الذين صموا آذانهم وأشَاحوا نظرهم عما كان يحدث في العاصمة الاقتصادية السورية.

وهو يراهن منذ اللقاء الثلاثي في موسكو بين وزراء الخارجية الروسي والإيراني والتركي وحتى الاستعداد لاجتماع آستانة، على بناء حد معقول من التوازن في علاقته بهذين الطرفين الضروريين لوقف النار أولاً ولإطلاقِ العملية السياسية ثانياً. لكن الواقع لا يعكس هذه الصورة.

وأضاف الكاتب اللبناني: "الواضح أن الرئيس بوتين عزز تفاهمه مع تركيا أثناء معركة حلب ثم في ضمانِهما وقف النار. وهو يعول على دورها في إقناع المعارضة السياسية والمسلحة بالمشاركة في المسار السياسي. لكن هذا التفاهم الثنائي عكس تضارباً بين موسكو وإيران يتعمق أكثر وأكثر".

واعتبر أن إيران انتقدت موافقة روسيا على القرار الأخير لمجلس الأمن الخاص بحلب. وكانت عارضَت التفاهم الروسي - التركي على خروج المقاتلين من عاصمة الشمال السوري إلى أن شمل بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين.

وعبر "الحرس" وحلفاؤه عن اعتراضهم على دعوة فصائل عسكرية معارضة إلى العاصمة الكازاخية، فضلاً عن دعوة مفتوحة إلى قوى أخرى بينها السعودية وقطر. وهو ما تحرص عليه روسيا حرصها على عدم وصمها بالوقوف في وجه السنة عموماً في الإقليم.

علماً أن دعوة الفصائل المقاتلة إلى آستانة بدعم تركي يشكل اعترافاً صريحاً بهذه الفصائل من جانب جميع المشاركين وفي مُقدمهم النظام وإيران. لذلك يواصل هذان الطرفان خرق وقف النار. ويصعّدان خطابهُما بوجه تركيا، مرة بدعوتها إلى سحب قواتها من الشمال السوري ومرة بالتهديد بحملة لاستعادة إدلب وريفها.

وتابع سمعان أن الواقع أن الهوة واسعة بين أجندات "الحلف الثلاثي"، وأن "موسكو لا تشعر بأنها حققت القسم الأكبر من استراتيجية تدخلها في بلاد الشام فحسب. بل تستعجل الخروج وبيدها إنجاز كبير يتيح لها استثماره في السياسة، سواء مع الولايات المتحدة أولاً ثم مع تركيا وأوروبا ومع دول الخليج أيضاً بإصرارها على المسار السياسي اليوم.

أي أنها ليست في وارد مواصلة حرب ستطول لتحقيق نصر عسكري ناجز. وليست مستعدة للمجازفة والغرق في مستنقع مشابه لما حل بالسوفيات في أفغانستان، أو حتى لما حل بالأميركيين في العراق. وقد حقق لها التفاهم مع أنقرة خروجاً للمقاتلين من حلب وحفظ بعض ما يمكن أن يحافظ عليه وسط الحملة التدميرية التي قادتها الميليشيات.

وهو التفاهم نفسه الذي سيوفر عليها الانسحاب التدريجي من المستنقع السوري. إنها تعول على قدرة تركيا في ضبط الفصائل المعارضة بعدما بات القسم الأكبر منها تحت رحمة القوات التركية ورعايتها في الشمال والشمال الغربي لبلاد الشام.

ويشكل هؤلاء المقاتلون قوة عسكرية كفيلة بتعديل ميزان القوى مع الميليشيات التي ترعاها إيران. لذلك تنادي هذه بخروج القوات التركية من سورية لأنها لم تدخل بناء على طلب حكومة دمشق! وهي رسالة جوابية على مطالبة أنقرة بوجوب خروج "حزب الله" وغيره من الميليشيات الشيعية الوافدة. وتصر طهران على مواصلة القتال، كما هي الحال في اليمن، حتى تثبت أقدامها في "العواصم العربية الأربع".

وهي تشعر بأن استراتيجيتها لا تزال تواجه تهديداً مشتركاً، في شبه الجزيرة من جانب "أهل الحزم"، وفي المشرق العربي من جانب شرِيكيها في الحلف. خصوصاً أن روسيا تجهد الآن لاستيعاب آلاف المقاتلين من الميليشيات في الفيلق الجديد.

وهي خطوة تهدف إلى انتزاع هذه الورقة من يد "الحرس الثوري" قبل أن يحولها جيشاً رديفاً يخدم أهداف الجمهورية الإسلامية ويعطل أي تسوية سياسية. أو يكون هو الحاكم الفعلي في أي تركيبة سياسية تكون ثمرة صفقة هنا أو هناك.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!