جلال سلمي - خاص ترك برس

أوردت مصادر مطلعة ومتابعة للتحركات التركية العسكرية صوب مدينة الباب في إطار عملية درع الفرات، بأن القوات التركية انتقلت في تحركها داخل مدينة الباب السورية من تكتيك التقدم إلى تكتيك المرابطة على النقاط التي استطاعت تحريرها من عناصر "داعش".

ووفقاً للمصادر، فإن تركيا، اليوم، على ما يبدو اتخذت قرار تجميد التحركات العسكرية في الباب لفترة من الزمن، ليصبح التساؤل المطروح: ما هي الأسباب المتوقعة وراء تجميد تركيا لتحركها نحو الباب السورية؟

قد تتعدد الأسباب العسكرية والسياسية لمثل هذا الأمر، ولكن على ربما الأسباب التالية هي التي دفعت الحكومة التركية لتخفيف الوتيرة:

ـ إخفاق عسكري: أطلقت تركيا على معركة الباب اسم "المرحلة الثالثة لعملية درع الفرات"، وبينما استطاعت تركيا تحرير جرابلس، وبلدة الراعي، بل وحتى دابق ذات الرمزية الهامة بالنسبة "لداعش"، إلا أنها تواجه صعوبات في مواصلة التقدم صوب الباب، ولعل التكتيك الذي اتبعه "داعش" في سحب مقاتليه نحو الباب، وبالتالي تشكيل حصن مضاد للتحرك التركي، بالإضافة إلى تحول الحرب من حرب مناطق مكشوفة إلى حرب شوارع، عاملان أديا إلى إحداث حالة من الإرباك لدى القوات التركية التي أخفقت في حسم معركة الباب لصالحها، بالرغم من تزويدها بعدد هائل من القوات الخاصة، وقد ظهر ذلك للسطح غداة الهجوم التركي الحادة ضد قوات التحالف. وقد يدفع هذا الإخفاق تركيا لإرجاء عملية التقدم العسكري حتى يتم إنشاء تحالف متين مع القوات الروسية وقوات التحالف الفاعلة في سوريا.

ـ تجنب سقوط شرعية تدخلها: تحركت تركيا نحو سوريا بذريعة محاربة الإرهاب وإنقاذ المواطنين السوريين من جرائمه وفقاً لمبدأ "مسؤولية الحماية" الدولي، ولكن على صعيد آخر، بدأ النظام بتحرك عسكري متسارع نحو الباب قادماً من ريف حلب الشرقي، وبعض الأنباء تشير إلى أنه لم يتبق سوى بضع الكيلو مترات بين قوات النظام وقوات المعارضة المشاركة في علمية "درع الفرات" بدعم تركي، وفي حين بات هناك صدام عسكري مباشر بين القوتين، قد تفقد تركيا مسوغها القانوني، وتتحول إلى دولة "محتلة" لدولة يسعى نظامها محاربة الإرهاب. وتسوية هذه النقطة لا يتم على صعيد ميداني عسكري، بل يحتاج لتنسيق تركيا ـ روسي يمكن من خلاله الضغط على إيران التي بدا واضحاً منذ بروز ملامح التوافق التركي ـ الروسي في التحرك السياسي حيال المسألة السورية، أنها تحاول عرقلة هذا التوافق عبر دفع ميليشياتها لخرق عملية "وقف إطلاق النار".

ـ الرغبة في تخفيف الضغط الإعلامي والشعبي الداخلي حتى انتهاء مرحلة الاستفتاء الشعبي: وافق البرلمان التركي ببالغ 339 صوت على تحويل التعديلات الدستورية للاستفتاء الشعبي، ومن المرتقب إجراء عملية الاستفتاء في الأول من أبريل، ولتجنب الضغط الإعلامي والشعبي الذي قد يؤثر سلباً في آراء المواطن التركي حول قبول التعديلات الدستورية، في حال ازدادت الخسائر العسكرية والبشرية للقوات التركية، لا سيما في ظل العواطف القومية المستعرة لدى ثلة كبيرة من المواطنين الأتراك الذين يتهمون بلادهم في "الدفاع عن سوريا على حساب صالح المواطن التركي، ودون مشاركة المواطن السوري". والجدير بالذكر في ذلك الإطار، تأجيل تركيا اهتمامها بمفاوضات جنيف الخاصة بالقضية القبرصية التي تعتبر مصيرية وقومية هامة بالنسبة للمواطنين الأتراك، حرصاً منها على تجنب أي نقطة قد تؤثر سلباً في الشعور القومي للمواطن.

ـ انتظار وضوح سياسة إدارة ترامب إزاء المسألة السورية: تُعطي التصريحات الصادرة عن الإدارة الأمريكية الجديدة بريق أمل حول إمكانية تحقيق تحالف عسكري حقيقي وقوي ضد "داعش"، حيث بيّن عدد من المسؤولين، وعلى رأسهم الرئيس الجديد "دونالد ترامب"، ومستشار الأمن القومي "مايكل فلين"، أنهم عازمين على التعاون مع تركيا لمحاربة الإرهاب، وهذا ما قد يجعل القيادة التركية تخفف وتيرة تحركها هناك.

ـ "درع فرات" جديدة في العراق: أفصح عن إمكانية قيام تركيا بعملية "درع فرات" جديدة في العراق، الصحفي التركي المقرب من السلطات "عبد القادر سلفي"، وبالرغم من عدم وجود تأكيدات حكومية لتلك التصريحات، إلا أن الحكومة التركية قد تكون بالفعل تسعى لترتيب جدول أعمالها وفقاً لذلك، وعلى صعيد آخر، ما يجعل هذا الاحتمال ضئيلاً هو افتقار تركيا للمسوغات القانونية التي اتبعتها أثناء عمليتها العسكرية، وإن كانت تريد أن تنفذ هذه العملية الركون إلى ذريعتي "حماية الأمن القومي من المنظمات الإرهابية التي تعجز حكومات الدول الأخرى القضاء عليها"، و"مسؤولية حماية المدنيين"، فإن وجود الحكومة العراقية بسيادة ملموسة مقارنة بسيادة نظام الأسد، وبمساندة إقليمية ودولية أوسع، قد يُغرق تركيا في مسائلات دولية تدعي بأن العملية هجوم سافر على سيادة دولة أخرى مستقلة وقائمة على أصولها.

بالمحصلة، فإن تركيا أطلقت عملية "درع الفرات" من أجل إقامة المنطقة الآمنة التي تصل حتى منبج، وطرد الخطر الإرهابي المتمثل "بداعش" وقوات الحماية الكردية، ولا شك في أن عملية محاربة "داعش" المتبعة لأسلوب حرب العصابات، ليس بالأمر اليسير.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس