المستشار خالد شبيب - خاص ترك برس

على مدى أشهر من متابعة مسلسل أرطغرل أجدني كلما رأيت وجهه وعمله وهمته وجلده وإصراه واستراتيجيته في بناء دولة الأمة وعلاقته بشيخه ابن العربي.. يتجلى أمامي وجه أردوغان وإنجازاته وشيخه العالم الرباني محمد أمين سراج.

حتى استقر بي الحال لأن أدلو َ بدولي بين الدلاء بمقالة ، أعبر بها عن رأيي مادامت الآراء قد تشعبت في الأمر طَرَائِقَ قِدَدًا . فمن الكتّاب من أثنى على هذا المسلسل... ومنهم كان دون ذلك ، وكنت من المعجبين والمثنين على فكرة المسلسل و نجاحه ، في إيصاله الرسالة المرجوة، لأسباب عديدة، سأذكرها تباعا ً .

عندما درسنا الأدب و أهميته في صناعة المجتمعات مقالة ونثرا وشعرا وقصة ومسرحية... تم تقسيم الأدب إلى قسمين: الأدبُ الهادفُ الملتزمُ قضايا الأمة، أدب السفاسف والمياعة والمجون .

ولكم أتذكر في مجال الأدب الهادف مقولة الأديب والشاعر وليم شكسبير : " أعطني مسرحا وخبزاً أعطِك شعبا عظيما " و نسبها بعضهم إلى الفيلسوف اليونانى أفلاطون ، و أضيف لها مقولة الفيلسوف والمسرحي الفرنسى فولتير : "فى المسرح وحده تجتمع الأمة ويتكون فكر الشباب وذوقهم .. إن المسرح مدرسة دائمة لتعلم الفضيلة".

و المسلسلات الدرامية في الوقت الحاضر احتلت مكانة المسرح بجدارة وتفوقت عليه. و تأتي أهمية مسلسل أرطغرل من محاكاته لواقع الأمة الحالي المتشظي والغارق في الصراعات والنزاعات بين القوى الكبرى كواقع الأمة المرير تماما في القرن الثالث عشر على أرض ولايتي حلب وأنطاكيا ، في زمن الصراعات والنزاعات بين الإمبراطوريات في المنطقة.

ففي نفس الوقت الذي جاءت فيه قبائل التركمان إلى المنطقة، وكان المغول والروم يتنازعان عليها، وكان المسلمون يعانون الكثير من المشاكل وخاصة من ضعف الخلافة العباسية التي هي ملجأ المسلمين في كل مكان. وكان العالم بانتظار قائد بطل جديد يوحد الأمة ويجمع شتاتها و يجبر كسرها و ينهض بها من جديد... حين ذاك ظهر أرطغرل، متحدياً كل الظروف ومستلما راية الأمة من جديد في زمن اليأس وانحسار الأمل.

مسلسل أرطغرل مدرسة متكاملة بحد ذاته ، إذ لم يخاطب الأتراك فحسب.. بل كان مدرسة متكاملة موجهة إلى كل الأمة من عرب ومن عجم، ويـتـبـدَّى ذلك جليًّا فيما يأتي:

1_ مدرسة في القيادة : حيث يرينا كيف تتم مراحل صناعة القادة من الطفولة إلى الشباب في القيادة، و كيفية التعامل مع الناس والفروسية والأخلاق والصدق والوفاء والعدل... والقيم التي يجب أن يتحلى بها القادة.

2_ مدرسة في صناعة الشباب الملتزم

3_ مدرسة في صناعة الجيش المحمدي المؤمن من المحاربين الأشداء المؤمنين بالله ثم محبة الوطن والقائد ومحبة بعضهم بعضا من خلال المدرسة المحمدية.

4_ مدرسة في صناعة المرأة فالنساء شقائق الرجال في المدرسه المحمدية، وكيف تكون الواحدة منهنَّ امرأة عادية وأختا وابنة ، وزوجةً للقائد وحكيمة ومقاتلة في نفس الوقت تحمل السيف بيد والعطر باليد الأخرى، وكيف تكون حبيبة عفيفة محتشمة ، كم تذكرنا هذه المدرسة بالصحابية الجليلة ذات الناطقين أسماء بنت أبي بكر في جيش محمد صلى الله عليه وسلم.

5_ مدرسة في العدل وإقامة الحق والوقوف مع المظلوم وإنصافه مهما كان الثمن، واحترام الشريعة ورمزها القرآن الكريم واحترام السيف الذي ينفذ الحق... فإنه "لا ينفع تكلمٌ بحقٍّ لا نفاذَ له" كما قال الفاروق عمر. فترى المشهد المهيب للقائد في مناصب التسليم كيف كان يقبِّل السيف والمصحف...

6_ مدرسة في التعامل مع الخونة والجواسيس والمحاربين الأشداء، في رحلة محفوفة بالخطر والخديعة والألم... وتتكلل أخيرا بانتصار الحق وزوال الباطل وأهله.

7_ مدرسة في إعداد وصناعة الأمة من جديد لتحمل الرسالة المحمدية مجددا وتقدم الخير للبشرية جمعاء متخذة من سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم نبراسا وهدى في قيامة الدولة والجيش والاقتصاد والزراعة والصناعة والتجارة...

8_ مدرسة في الصداقة والتضحية والإيثار والشجاعة والجرأة والحب

9_ مدرسة في التحدي حيث ذلّل كل المصاعب وانتصر على أعدائه بالعزم الصبر والذكاء، ليصبح الرجل الذي غيّر خارطة العالم ببنائه الأسس القويمة للإمبراطورية العثمانية التي انتشرت في قارات العالم الثلاث.

10_ مدرسة في الإيمان والتوكل : حيث لا يفارق لسانه الذكر ولا يفارق قلبه الإيمان ولا يفارق جوارحه العمل والتدريب كد والأخذ بالأسباب ثم التوكل على الله عز وجل .

من أجل هذا كله تابعت المسلسل كاملا ثلاث مرات، مرة على هاتفي المحمول، ومرة أخرى على القناة التركية العربية، والآن أتابعه مع أولادي وأسرتي يوميا على مدى ساعتين على قناة (فور شباب) لأننا من هذه الأمة التي ُيقْصَدُ قيامها بقيامة أرطغرل ونتشرف بأن نكون أحد أفرادها .... حقاً ، إن مسلسل أرطغرل نموذجٌ يحتذى به في صناعة الحياة .. ...

ونختم بالقول: وإذا كانت الأمة الإسلامية تشهد إرهاصات البعث من جديد، فأعتقد أنها قد بدأت تسري في الأمة، وعلى أيدي الأتراك الذين يستعدون لتحمل زمام المسؤولية وقيادة الأمة، وهم أهل لذلك لما يتمتعون به من مؤهلات القيادة، ومن حب للرسالة المحمدية، وتواضع للأمة، وقوة في العزيمة والتصميم، وريادة في الاقتصاد والجيش...وهذه فرصة ذهبي للأمة الإسلامي عربا وعجما ليضعوا يدهم بيد الأتراك لقيامة الأمة من جديد.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس