نهاد علي أوزجان - صحيفة ملييت - ترجمة وتحرير ترك برس

لا يزال احتمال تقسيم العراق واردًا منذ حرب الخليج الأولى. وبقاء التطورات التي أثارت الربيع العربي، والسياسات الخاطئة للحكومة العراقية الموالية للشيعة، وتهديد داعش، والنزاعات المتعلقة بالعراق و"المطالب الشعبية" للأكراد فيه مطروحة على الطاولة. يضاف إلى ذلك موضوع الجدل حول مستقبل السنة مثل "الدولة الكردية". 

إذ تواجه حكومة إقليم كردستان العراق مشاكل خطيرة في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسة الداخلية كالتي تواجهها حكومة بغداد. ولكن ذلك لا يعني استبعاد فكرة الاستقلال. حيث بدأت السياسة الحقيقية بفرض هيمنتها تدريجياً. وتجلى ذلك في حديث بارزاني في تصريحه الأخير عن حق الأكراد بامتلاك دولة خاصة بهم مثلما فعلت شعوب أوروبا الشرقية مشبهاً الوضع القائم في الشرق الأوسط بانفصال يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا إلى دولتين منفصلتين.

وأضاف بازراني في مقابلته التي أجراها مع صحيفة لاستامبا الإيطالية قائلًا: "بالرغم من الرغبة في الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية ولكن الحقائق تظهر أن مصير العراق سيكون التقسيم بسبب عدم حل مشاكله. حيث يتقاتل السنة والشيعة منذ 1400 سنة فيما بينهم، بينما نحن الكورد أصبحنا ضحية هذا الصراع. لذلك ينبغي البحث عن صيغة تعايش مشترك جديدة بين المكونات الثلاثة الرئيسية".    

وبالطبع ليس من قبيل المصادفة حديث بازراني عن يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا. لأن الانفصال يمثل الطريق الأفضل لدى بارزاني "بالاعتماد على التراضي" مثل التشيك والسلوفاك. مما يعني تحقيق هدفه بإقامة دولة كردية مستقلة بالقتال وفق النموذج اليوغسلافي، والتضحية بثلاثة أجيال أخرى على الأقل، والتحول في النهاية إلى دولة "فقيرة ولكن عظيمة".     

ومن المستحيل التغاضي عن الأسباب الداعمة لوجهة النظر تلك. إذ تكمن الصعوبة الأولى في تأمين الحماية الأمريكية كسبيل وحيد لملء الفراغ الإقليمي المسبب لقيام الدولة الكردية المستقلة. لأنه ليس باستطاعة تلك الدولة الصمود طويلًا بالاعتماد على قوتها الذاتية ما لم تعلن الولايات المتحدة الأمريكية حمايتها لها. ونظرًا إلى موقف الإدارة الأمريكية الحالية والإدارات السابقة فإنها تبدو غير مستعدة لدعم ذلك في الوقت الراهن على أقل تقدير.

أما الصعوبة الثانية فتكمن في موافقة بقية الشركاء على بقاء كركوك ضمن حدود الدولة الكردية المستقلة. غير أن إشكالية بارزاني لا تقتصر على كركوك فحسب، بل في فرض سيطرته على منطقة أوسع غالبية سكانها من العرب والتركمان. مما سيوفر خزانات نفط جديدة من ناحية ويحدد شخصية الدولة "الخيالية" من ناحية أخرى. وسيضطر في النهاية إلى الاختيار بين دولة متعددة الأعراق أو دولة قامت على التطهير العرقي بدلاً من تأسيس دولة قومية.  

في حين يتمثل الأمر الثالث الواجب على بارزاني القيام به في إنهاء الصراعات القائمة بين الأكراد، ووضع حد للتفكك الحاصل. مما يعني ضمان الوحدة في الداخل أولاً. وإن كان الانقسام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري الايدولوجي والعسكري في منطقة إقليم كردستان العراق أعمق مما يبدو.  

أما المشكلة الهامة الأخرى فتتعلق بالتعامل مع الصعوبات التي فرضتها الظروف الجيوسياسية. وهي صعوبة ناجمة عن عدم وجود منفذ لتلك الدولة "الخيالية" على البحر. مما يستلزم تلك الدولة البرية إقامة علاقات مع الأسواق الإقليمية وتعاوناً كثيفاً ومتيناً يمتد لسنوات طويلة مع إحدى دول الجوار على الأقل لكي تبيع النفط والغاز. ولهذا ينبغي على بارزاني إقناع إيران أو تركيا أو العرب بالتعاون معه لتحقيق ذلك. وبما أن هذا الاقناع لن يتحقق باستخدام القوة العسكرية، فمن الضروري تفعيل الدبلوماسية جيداً واستبعاد الحل التشيكي والسلوفاكي "المعتمد على التراضي" عن العراق. وفق ما فرضته السياسة الحقيقية وإدراك بارزاني لذلك.

عن الكاتب

نهاد علي أوزجان

كاتب في صحيفة ملييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس