هولغر شابيتز - فيلت الألمانية - ترجمة وتحرير ترك برس

في صراعه المعلن مع تركيا، يخشى الاتحاد الأوروبي من فتح الباب نحو تدفق اللاجئين من تركيا. ولكن هناك أيضا ورقة أخرى مخيفة يمكن أن تلعبها أنقرة وقد تتسبب في اندلاع أزمة حادة في أوروبا، وهي متعلقة بمسألة حساسة وشائكة.

إلى حد اللحظة هناك فقط إجابة واحدة تفسر العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ألا وهي مسألة اللاجئين. فماذا لو قامت أنقرة بالانسحاب من الاتفاق الذي عقدته مع الاتحاد الأوروبي بعد مفاوضات مضنية لإقناعها ببنوده، وقامت بفتح الحدود أمام مئات الآلاف من اللاجئين الذين يريدون النفاذ لأوروبا بأية طريقة؟ ولكن، في الواقع هذا ليس التهديد الوحيد الذي قد تمثله أنقرة بالنسبة لأوروبا.

تعد البنوك الأوروبية من أكبر مقرضي تركيا، وخلال هذه الفترة التي تعاني فيها موازنات البنوك من الهشاشة وكثرة المخاطر المالية، باتت هذه البنوك تقرض أموالها في حين أنها لا تحصل في المقابل على الكثير من السيولة. وإذا ما ألقينا نظرة سريعة على الارتباطات الحقيقية التي تجمع أنقرة والبنوك الأوروبية، سندرك أن ما يحدث في تركيا يمكن أن يكون مهما للغاية بالنسبة لدول منطقة اليورو. وفي الأثناء، وبعد سنة واحدة من آخر أزمة بنكية، يجب أن تحذر أوروبا من أن يتكرر نفس السيناريو وتقلق على استقرار قطاعها المالي.

والجدير بالذكر أن العديد من البنوك في أنحاء العالم أقرضت تركيا حوالي 270 مليار دولار، أي ما يعادل 255 مليار يورو. وتأتي في المرتبة الأولى المؤسسات البنكية الإسبانية التي يجب عليها أن تتخوف من الأحداث الأخيرة، نظرا لأنها قدمت لتركيا ما لا يقل عن 87 مليار دولار، لتأتي بذلك على رأس قائمة الدائنين. كما أن البنوك الفرنسية أقرضت تركيا 42 مليار دولار، في حين قدمت المؤسسات الألمانية حوالي 15 مليار دولار والإيطالية حوالي 11 مليار دولار.

في الواقع، نشرت هذه الأرقام ضمن تقارير أصدرها "بنك التسويات الدولية"، الذي يشرف على مراقبة التوترات الاقتصادية والمالية في أنحاء العالم. ومن المثير للاهتمام أن هذه الأرقام توضح أن البنوك الإسبانية والإيطالية، قد تتأثر بشكل خاص نظرا للمرحلة الحساسة التي تمر بها، خاصة وأنها تشق طريقها بصعوبة بالغة نحو التعافي بعد الأزمة الحادة التي واجهتها.

ونتيجة للأزمة، احتاجت البنوك الإسبانية لعملية إنقاذ من خلال ضخ تمويلات من قبل الاتحاد الأوروبي في صيف سنة 2012، وفي بداية العام الجاري قامت إيطاليا بإنقاذ بنك "مونتي دي باسكي"، الذي كان يعاني من عجز كبير، عبر ضخ قدر هام من السيولة، والحصول على ترخيص جديد للنشاط من قبل قيادة الاتحاد في بروكسل.

تركيا كانت الوجهة المفضلة للبنوك

على العموم، لا تزال العديد من المؤسسات المالية لأوروبا تعاني من هشاشة واضطرابات عديدة، وهو ما يجعلها عرضة للانهيار تحت تأثير أي هزات خفيفة. في المقابل، أعلن بنك "دويتشه بنك" الألماني لأول مرة في هذا الشهر زيادة في رأس ماله تقدر بأكثر من 10 مليار يورو، وهو ما سيساهم في زيادة احتياطاته بشكل يخفض من المخاطر الائتمانية، ويجعله قادرا على مواجهة المفاجآت غير السارة في المستقبل.

وبالنسبة للعديد من المؤسسات الغربية، لطالما كانت تركيا الوجهة المفضلة، فبعد إصلاحات القطاع البنكي التي قامت بها الحكومة التركية في بداية سنوات الألفين، والنمو الاقتصادي غير المسبوق الذي شهدته البلاد، تسابقت المؤسسات المالية الكبرى في العالم للذهاب إلى تركيا.

وقد مثلت حينها الخصائص الديمغرافية في تركيا الفتية، بالإضافة إلى كثرة الاستهلاك، عوامل جذب للمستثمرين الأجانب. كما أن الخدمات البنكية في تركيا كانت تَعدُ بأرباح سريعة وعالية، علما وأن أغلب هذه الانتظارات قد جسدت على أرض الواقع.

وفي تلك الفترة، استخدمت البنوك نوعين من الاستراتيجيات، فبعض البنوك على غرار بنك  BBVA الإسباني وبنك BNP Paribas الفرنسي وبنك UniCredit الإيطالي، أقدمت على شراء أسهم مباشرة من البنوك التركية، فيما قامت بنوك أخرى مثل HSBC وING بتأسيس فروع لها في تركيا.

والنقطة المشتركة بين جميع هذه البنوك، تتمثل في أن هذا القطاع في تركيا تحول من قطاع واعد ومليء بالفرص إلى ساحة للتجاذبات السياسية التي تهدد الاستقرار الاقتصادي لبعض الدول. فقد شهد الاقتصاد التركي انكماشا بنسبة 1.8 بالمائة في الربع الثالث من العام الماضي، وهي أول نتيجة سلبية يحققها منذ الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 2009.

وأبرز الخاسرين في عملية الاستثمار هذه كان بنك BBVA الإسباني، إذ إنه يمتلك حوالي 40 بالمائة من أسهم بنك Garanti التركي. في الحقيقة، لا تمثل تركيا بالنسبة لبنك BBVA مصدرا للربح فقط، حيث يجني من خلالها 14 في المائة من أرباحه، بل إن الاستثمارات التركية تمثل 5 بالمائة من مجمل معاملاته المالية. والجدير بالذكر أن هذا البنك لديه ديون بقيمة 55.6 مليار يورو متخلدة بالذمة. كما أن بنك UniCredit الإيطالي يمتلك 40 بالمائة من أسهم Yapi Credit Bank، وبحسب تقديرات "دويتشه بنك" الألماني فإن أربعة بالمائة من رأس ماله قد ذهب للقروض الاستهلاكية في تركيا.

تعديل هذه الارتباطات ليس سهلا

في واقع الأمر، يملك بنك BNP Paribas الفرنسي فرعا له في تركيا، يعرف باسم  بنك "TEB" ( Türk Ekonomi Bankası)، وقد تم صرف 2.5 بالمائة من قروض الاستهلاك المباشرة التي يقدمها البنك الفرنسي في تركيا، كما هو الحال بالنسبة لبنك ING الهولندي. في المقابل، أصبحت تركيا في الوقت الراهن، تمثل سوقا يصعب العمل فيها خاصة بالنسبة للهولنديين، ومن المنتظر أن يتواصل هذا التحدي في المستقبل.

وفي شأن ذي صلة، وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان هولندا بأنها "دولة إرهابية"، فضلا عن أنه هدد بتسليط المزيد من العقوبات عليها بعد الأزمة التي اندلعت على خلفية إقدامها على إلغاء زيارة وزيرين تركيين كانا بصدد حضور اجتماعات انتخابية. علاوة على ذلك، أقر أردوغان بأن هولندا وبقية خصومه الأوروبيين بمثابة "أعداء تركيا"، ودعا المواطنين إلى المشاركة بكثافة في التصويت على الاستفتاء الدستوري.

وخلال الفترة المقبلة ستعكف البنوك على مراقبة التطورات السياسية بكل قلق، وإن اضطرها الأمر ستحاول التأقلم وتعديل ارتباطاتها في تركيا. ولكن ذلك لن يكون بالأمر السهل، فقد حاول بنك HSBC تعويض خسائره في العام الماضي في تركيا، ولكنه لم يجد مشتريا مناسبا، حسب ما ورد عن وكالة رويترز للأنباء.

من جانبها، تستند تركيا بشكل كبير على هذه المؤسسات المالية، إذ إنها تعتمد على التمويلات الخارجية بشكل كبير، نظرا لأن المدخرات المحلية لا تكفي لتمويل قروض الاستهلاك والاستثمار. وبالتالي، فإن تركيا أيضا في حاجة لرأس المال الأجنبي، حيث يبلغ العجز، حاليا، حوالي 33 مليار دولار سنويا.

في السنوات الأخيرة، شرعت البنوك الألمانية في خفض استثماراتها الموجهة نحو تركيا، فبعد أن تضاعفت هذه الأموال الموجهة لتركيا من 10 مليار يورو إلى 20 مليار يورو في الفترة الممتدة بين سنتي 2005 و2013، استقر حجم الإقراض الحالي عند مستوى 14 مليار دولار. وحسب مؤسسة "بيز ستاتس" للإحصاء، فإن البنوك الألمانية أقرضت الحكومة التركية حوالي 3.4 مليار دولار، وقدمت أيضا 5 مليار دولار للشركات الخاصة والأفراد، وحوالي 4 مليار دولار إضافية للبنوك التركية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس