إسماعيل تشاغلار - صحيفة تقويم - ترجمة وتحرير ترك برس

إنني أحاول متابعة مواقع التواصل الاجتماعي خلال فترة الاستفتاء عن كثب. وأضاعف تركيزي على حسابات ومشاركات اليساريين المتطرفين. حيث إن المشهد الذي واجهته خلال بحوثي كان سيئاً، متشائماً وفاقداً للأمل. باختصار، إن الوضع الحالي خطير جداً.

اجتمعت همجية الفشل إلى جانب الغضب الناتج عن خسارتهم لامتيازاتهم في خطواتهم الأخيرة. معارضون لكل شيء، وغير راضين عن أي شيء. يربطون أبسط مشاكلهم اليومية بحزب العدالة والتنمية وأردوغان، ثم يحولونها إلى فرصة لتفريغ غضبهم على الدين الإسلامي. تجاوزت هذه الحالة نطاق المعارضة، بل تحولت إلى أزمة نفسية أو إلى اضطراب عصبي. أصبحوا يرتقبون الفرصة لحصول أزمة في تركيا كي تسنح الفرصة لهم بالوقوف إلى جانب الطرف الآخر ومعارضة الحكومة.

كان انتهاك هولندا لجميع القوانين الدبلوماسية حين مارست همجيتها على "فاطمة بتول سايان كايا" بمثابة الفرصة بالنسبة إلى مؤيدي حزب الشعب الجمهوري. إذ أصبحوا يدافعون عن الشرطة الهولندية التي استخدمت العنف ضد الجماهير التركية بسبب اجتماعهم أمام القنصلية التركية بهدف استقبال الوزيرة، وذلك بعد أن كانوا ينظرون –المعارضون من حزب الشعب الجمهوري- إلى العنف الذي قاموا بممارسته خلال أحداث غيزي بارك في تقسيم على أنه "حق المقاومة"، والسب والشتائم على أنها "مزاح"، والحرق والتدمير على أنه "احتجاج"، والنهب على أنه "تأميم".

إذ إنهم بالغوا في الدفاع عن المتظاهرين في أحداث غيزي بارك، إلا أنّهم لم يروا الأتراك الذين يتعرضون للعنف والهمجية من جهة، والشرطة الهولندية التي استخدمت الأحصنة والكلاب لتفريق المتظاهرين من جهة أخرى. إنهم يقولون: إن المتظاهرين يستحقون هذه المعاملة لعدم استجابتهم لنداءات الشرطة، ولتجمعهم في الشوارع من دون الحصول على إذن من إدارة المنطقة. والمعاملة التي يتحدثون عنها، ويرون أنّ المحتجين كانوا يستحقونها من الشرطة الهولندية، هي عبارة عن تعرض الأتراك للعض من قبل الكلاب البوليسية التابعة للشرطة الهولندية. والغريب في الموضوع أنّ الذين أيّدوا معاملة الشرطة الهولندية مع المحتجين الأتراك هم ذاتهم المخربون في أحداث غيزي بارك الذين ادّعوا بأنهم تعرضوا لمعاملة وحشية من قبل الشرطة التركية.

بعبارة أخرى تبارى المخربون في أحداث غيزي بارك لمجاملة الشرطة الهولندية بعد أن كانوا يتهمون الشرطة التركية "التي كانت تعمل جاهدةً لإيقاف العنف الذي يمارسه المتظاهرون خلال تلك الأحداث" بالإجرام واستخدام العنف.

اللوحة المرسومة توضّح عدم وجود أي منطق أو تفكير أو تفسير لما يقومون به، ولا تفسير لما يقومون به سوى شعور الحقد والعداوة التي يحملونها تجاه تركيا. إذ أوصلتهم هذه العداوة إلى درجة وصفوا فيها الشرطة التركية التي مارست أقل درجة ممكنة من العنف لتفريق المتظاهرين بالمجرمين، ووصف الشرطة الهولندية التي هاجمت المتظاهرين بالعصي والكلاب بالمدنية والحضارة. ولعل الضرر الأكبر الذي يسببه حزب الشعب الجمهوري لتركيا هو هذا التصرف، لأن الوضع الحالي عبارة عن عامل ناتج عن تصرفات حزب الشعب الجمهوري.

بدؤوا حملتهم الانتخابية من خلال تصوير الانتخابات الجارية لناخبيهم على أنها صراع قومي، والسلطة الشرعية في البلاد على أنها احتلال، وانطلقوا من مدينة سامسون لتصوير البلاد وكأنها واقعة تحت الاحتلال بدافع انطلاق مصطفى كمال من سامسون في عهده.

لا تلتفتوا إلى قيام حزب الشعب الجمهوري بحملة سلمية وهادئة خلال فترة الاستفتاء، فقد قام مسبقاً بتكرار مزاعمه خلال الانتخابات السابقة. إذ قام بنشر الحقد والكراهية في نفوس ناخبيه للتمويه عن عدم قدرته على خلق السياسة وفشله السياسي. كما حاول جمع ناخبيه تحت ظل الخوف بسبب عدم قدرته على جمعهم في إطار الشعور والهدف الموحّد. وظلّ يتحدّث لناخبيه عن بيع البلاد للأجانب، وأنها على وشك الانقسام، وأن الاستقلال أصبح محوراً للمساومات السياسية، إضافةً إلى تحول البلاد إلى دولة ديكتاتورية.  في حين أن البلاد لا زالت على وضعها الحالي ولم تفقد استقلالها ولم تنقسم أو تتجزأ. لكن كل ما في الأمر هو أن حزب الشعب الجمهوري يفقد آماله في الوصول إلى السلطة مع استمرار تركيا في التطور، وزوال العوائق السياسية من طريقها وسيطرة الإرادة القومية على الدولة.

جوهر الكلام هو أن حزب الشعب الشعب الجمهوري يقوم بتصوير هلاكه للطبقة المؤيدة له على أنه هلاك البلاد أيضاً، وهذه الطبقة من الشعب أصبحت خارج السيطرة.

عن الكاتب

إسماعيل تشاغلار

إعلامي تركي، وكاتب لدى صحيفة تقويم التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس