اسماعيل تشاغلار – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

استلم "رجب طيب أردوغان" منصبه كأول رئيس لنظام الحكم الجديد، وبدأ بزياراته الخارجية من قبرص الشمالية وأذربيجان بما يتناسب مع عادات وتقاليد الدولة التركية، وعقب هذه الزيارات توجّه أردوغان نحو العاصمة الهولندية "بروكسل" ليأخذ مكانه في اجتماع حلف الشمال الأطلسي، وهذا هو الأداء المتوقّع من الرئيس أردوغان، لا يضيع الوقت بالانتظار والمشاهدة والاحتفال بالنجاح في الانتخابات.

لحسن الحظ تمكّنت تركيا من الوصول لنظام الحكم الجديد، لكن لم تكن هذه الفترة سهلة بالنسبة لنا، وتخطّينا العديد من الأزمات والكوراث كي نصل لهذه النقطة، بالتأكيد سيتم محاسبة الجهات التي تسبّبت بهذه الأزمات لتركيا، لكن بطبيعة الحال ستصبح هذه المسائل جزءاً من الماضي في نهاية اليوم، وكذلك أصبحت المعارضة الداخلية جزءاً من الماضي كما هو الحال بالنسبة إلى النظام البرلماني، ربّما لم تدرك المعارضة أنها تسير في مؤخرة القافلة ولا تستطيع مواكبة الواقع التركي، وفي هذا السياق رأينا أن ناخبي المعارضة لم يتمكّنوا من تقبّل الهزيمة في الانتخابات، وكانت المزاعم التي تشير إلى اختطاف مرشّح المعارضة "محرّم إينجه" شاهداً على ذلك، إذ اعترف الأخير بالهزيمة وهنّأ أردوغان عبر مكالمة هاتفية، كما وصف الفئة التي تدّعي اختطاف مرشّحهم في يوم الانتخابات بعبارة "المجانين"، لكن الأمر المثير للغرابة في هذه النقطة هو السبب الذي دفع ناخبي المعارضة لنشر مثل هذه المزاعم! كيف وصلوا لهذه الدرجة التي دفعتهم لمثل هذه الأعمال؟

ومن الأمثلة الأخرى على ذلك نذكُر حادثة الطلبة الجامعيين الذين رفعوا لافتات مهينة للرئيس أردوغان خلال تكريمهم بالتخرّج من جامعة الشرق الأوسط التقنيّة، وقد أفادت الأخبار الأخيرة بانتقال هذه المسألة للمجلس القضائي، واعتقال هؤلاء الطلبة بتهمة إهانة رئيس الدولة، بطبيعة الحال إن المُخطئ سيلقى عقاباً حسب خطأه، لذلك لا يمكن تبرير محاولات استغلال عواطف الرأي العام من خلال هؤلاء الطلبة، من جهة أخرى يجب التساؤل حول نقطة هامّة، ما الدافع الذي أدى بهؤلاء الطلبة للاعتقال في يوم تكريمهم؟ ما الذي دفعهم لإهانة الرئيس بدلاً من الاحتفال بالتخرّج؟ ما الذي دفعهم لتوجيه رسالة سياسية بدلاً من توجيه رسائل الشكر للأهل والأصدقاء؟ ولماذا لم يوجّهوا رسالتهم بطرق جديدة ومبتكرة، بل لجؤوا لأساليب قديمة وتقليدية مثل رفع اللافتات المهينة لتوجيه رسالة سياسية؟ إن السبب في هذه التصرفات وأمثالها هو ذاته السبب الذي يدفع إينجه للتفكير في خصوص مواقف زعيم حزب الشعب الجمهوري "كمال كليجدار أوغلو"، بتعبير أوضح إن المعارضة هي السبب الرئيس في هذه التصرّفات.

من الواضح أن المعارضة تعجز عن توليد سياسة يمكنها إقناع ناخبيها من خلالها، إن توليد السياسة هي مسألة صعبة وتحتاج لبذل الجهد في طاولات الحوار والساحة في نفس الوقت، بالنسبة إلى الساحة لا يمكن توليد سياسة من دون السير في شوارع البلاد والتعامل مع المواطنين وسماع مشاكلهم ورؤية ردود أفعالهم، وبالنسبة إلى طاولة الحوار فهو أن تكون مُحكماً لجميع المسائل ومدركاً للنماذج العالمية وإجراء حسابات بديلة في كل وقت.

وفي السياق ذاته هناك طريقة أسهل لتوليد السياسة، وهي تحريض الناخبين وتحزيبهم وزرع شعور المعاداة في نفسوهم، كما يفعله حزب الشعب الجمهوري بالتحديد، كأن يحاول إقناع الرأي العام بأن نظام الحكم الجديد هو نظام رجل واحد بدلاً من تقديم نصائح بديلة حول هذه المسألة، وأن يزعم أن تركيا أصبحت دولةً ديكتاتوريةً بدلاً من تقديم نصائح حول الإصلاحات التي يمكن اتّخاذها فيما يخص مسألة الحقوق والحريّات، وأن يدّعي سرقة صناديق الأصوات بدلاً من العمل أكثر والفوز في الانتخابات.

نعم هذه طريقة أسهل بكثير لتوليد سياسة من دون هدر الطاقة وبذل الجهد، بدليل أن حزب الشعب الجمهوري وصل لنسبة 25% بهذه الطريقة، لكن يجب أن لا نتجاهل وجود أعراض جانبية أيضاً للمسألة، لأن المبالغة في تحريض الناخبين قد تؤدي لفقدان السيطرة والتصرّف بتهوّر وإهانة رئيس الدولة في نهاية المطاف، نعم ستتم معاقبة الطلبة الذين أهانوا الرئيس أردوغان، لكن يظل المحرّض الرئيس لهذه التصرفات هو حزب الشعب الجمهوري.

عن الكاتب

إسماعيل تشاغلار

إعلامي تركي، وكاتب لدى صحيفة تقويم التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس