بكر محمد البدور - خاص ترك برس

حددت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا  موعد الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية  في 16 نيسان/ أبريل المقبل بعد إقرارها في البرلمان بأغلبية 339 صوتًا ومصادقة رئيس الجمهورية عليها ولا شك أن موضوع إقرار هذه التعديلات أو رفضها هو حديث الشارع التركي فضلا عن وسائل الإعلام المحلية والعالمية كما أن هذا الأمر مثار اهتمام مختلف الأوساط في الشارعين العربي والإسلامي ليس من أجل الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين تلك الأوساط فحسب ولكن لأن تجربة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا هي محل رصد ومتابعة واهتمام في البلدان العربية والإسلامية بوصفها لدى الكثيرين تجربة رائدة تجمع بين قيم الديمقراطية والقيم الأخلاقية في الحكم.

وبالرغم من الهجوم الكبير الذي شنه حزب الشعب الجمهوري أكبر الأحزاب المعارضة على المشروع المقترح للدستور على اعتبار انه يركز كثير من الصلاحيات بيد رئيس الجمهوري وما يترتب على ذلك من خلق حالة من الاستبداد كما يرى الحزب إلا أن المؤشرات والتوقعات تدل على أن حظوظ هذا المشروع من  القبول الشعبي والإقرار ليست بالبسيطة وبغض النظر عن استطلاعات الرأي ونتائجها فإن لدى المواطن التركي كثير من الأسباب ليقول نعم للتعديلات الدستورية الجديدة منها:

أن فكرة الإصلاحات الشاملة في البلاد بما فيها الإصلاحات الدستورية ليست وليدة اللحظة وليست من اختراع حزب العدالة والتنمية أو مؤسسه الرئيس رجب طيب أردوغان ولكنها بدأت  في أعقاب ترشيح تركيا رسمياً لعضوية الاتحاد الأوروبي في قمة هلسنكي عام 1998م فجاء برنامج الإصلاح الديمقراطي الذي تضمن البدء بإصلاحات قانونية ودستورية وكان الهدف الأساسي لهذا البرنامج هو الحد من دور الجيش في الحياة السياسية، وقد بدأ هذا البرنامج في عهد حكومة بولنت أجاويد الائتلافية في ذلك الحين  واستأنفته حكومة رجب طيب أردوغان الأولى عام 2002 وما زالت الحكومات التركية المتعاقبة منذ ذلك الحين مستمرة فيه حتى الوقت الحالي وهذا يفند المزاعم القائلة بأن فكرة التحول إلى النظام الرئاسي هي مجرد طموح شخصي  لدى رئيس الجمهورية فقد نادى  ترغوت اوزال بها أثناء توليه رئاسة الحكومة التركية (1983-1989) كما طرحها نجم الدين أربكان إلا أن الظروف السياسية في البلاد لم تكن مهيأة لتنفيذ تلك الفكرة وكل ما فعله حزب العدالة والتنمية هو إخراج هذا الموضوع إلى حيز الوجود.

كما أن التحول نحو النظام الرئاسي لم يكن  اولوية  عند حزب العدالة والتنمية وقد ترك امر الخوض به مدة طويلة فقد انصبت التعديلات الدستورية السابقة على مجلس الأمن القومي فكان محورًا للتعديلات الدستورية المتعلقة بدور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية كما تضمنت التعديلات أيضاَ منح المجلس الوطني التركي الكبير والمؤسسات الدستورية الأخرى  صلاحية مراقبة الجيش ومحاسبته على تصرفاته ومما ساعد في إنجاح هذه التعديلات تخلي المؤسسات الإعلامية الكبيرة ورجال الأعمال عن دعم تدخل الجيش في السياسة خاصة في ظل حالة الاستقرار السياسي التي تعيشها البلاد منذ عام 2002م.

وقياسا على التعديلات السابقة فإن أغلبيةً مريحة ستقول نعم للتعديلات الدستورية ففي 12 أيلول عام 2010م جرى استفتاء على تعديلات دستورية هامة مقدمة من الحكومة، وقد صوت 58% من الأتراك لصالح هذه التعديلات، وبلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء 87% من مجموع الذين يحق لهم التصويت.

وهذه التعديلات الدستورية رجحت كفة الصورة المدنية للنظام السياسي على طبيعته العسكرية المعهودة طوال الفترة السابقة.

ومن الأسباب الكفيلة بجعل نسبة معتبرة من الشعب التركي تقول نعم للمشروع الجديد أن الدستور التركي الحالي دستور عام 1982  تم وضعه على إثر الانقلاب العسكري الذي حدث عام 1980 والذي يتضمن عقبات في وجه التقدم نحو مزيد من الديمقراطية والانفتاحية وذلك بنصه صراحةً على أن المواد المتعلقة بشكل الدولة ولغتها وعلاقتها بالدين غير قابلة للتعديل على عكس ما كان في الدستور العثماني الأول عام 1876 والذي لم يجعل أي من نصوصه غير قابل للتعديل بما في ذلك ديانة الدولة ومرجعيتها.

 ومن الأسباب التي ستجعل المواطن التركي يؤيد التعديلات المقترحة  أن الدساتير التركية صيغت بشكل عام على وقع الانقلابات العسكرية وكان للجيش القول الفصل في صياغتها وتحديد أطرها إلى جانب ما ينطوي عليه الدستور الحالي من اختلالات كبيرة خاصة ما يتعلق منها بصلاحيات رئيس الجمهورية التي تتعارض مع مبدأ فصل السلطات فالرئيس له علاقة مباشرة بالسلطة التشريعية من خلال امتلاكه حق الاعتراض على القوانين التي تصدر عن المجلس الوطني التركي الكبير وردها إليه للنظر فيها مرة أخرى كما أن للرئيس الحق في إحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية للبت فيها كما أن له علاقة مباشرة بالسلطة التنفيذية من خلال تعيين رئيس الوزراء والمصادقة على تعيين الوزراء والرئيس على صلة مباشرة بالمؤسسة العسكرية صاحبة النفوذ الكبير في الحياة السياسية حتى عهد قريب عبر ترؤسه مجلس الأمن القومي الذي كانت تغلب على تشكيلته الصبغة العسكرية قبل إجراء تعديلات سابقة غيرت هذا الأمر.

ومن الأسباب الوجيه التي ستشجع المواطن التركي على تأييد اتعديلات الدستورية أن النظام الرئاسي  يخلص البلاد من حالة عدم الاستقرار السياسي التي قد تترتب على عدم حسم أي من الأحزاب السياسية لنتائج الانتخابات بالأغلبية المريحة لتشكيل الحكومة مما يدخل البلاد في دوامة الحكومات الائتلافية غير المستقرة كما حدث قبيل صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة السلطة أو يدفعها إلى الانتخابات المبكرة كما حدث في العام الماضي 2016 عندما لم يتمكن حزب الحاكم من حسم نتائج الانتخابات بصورة تمكنة من تشكيل الحكومة بمفرده واعتذرت الأحزاب الأخرى عن الدخول في إتلاف حكومي معه الأمر الذي ترتب إجراء انتخابات مبكرة في نفس العام.

ومن االمسائل التي ستزيد قاعدة المؤيدين للتعديلات الدستورية التفاهمات التي تمت بهذا الصدد بين حزب العدالة والتنمية الحاكم  وحزب الحركة القومية المعارض مما أتاح موافقة البرلمان التركي على تلك التعديلات وضمن عبورها لمرحلة الاستفتاء الشعبي.

ومن القضايا التي تؤثر في رأي المواطن عند إجراء الاستفتاءات لمختلف الأغراض  توجهات الرأي العام نحو النظام السياسي فإذا كان النظام السياسي والحزب الحاكم يتمتعان بنسبة معقولة من الرضا الشعبي عن السياسات الدخلية والخارجية فإن ذلك يشير إلى أن التأييد الشعبي للأمر المستفتى عليه سيكون مريح ومقبول وفي الحالة التركية فإن الحزب الحاكم حصل على أغلبية مريحة في انتخابات المبكرة التي جرت العام الماضي وهذا مؤشر على درجة معقولة من الرضا الشعبي كما  ان الوقفة الشعبية القوية في وجه المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت منتصف شهر تموز/ يوليو الماضي مؤشر آخر على القبول الشعبي  فلو كان هنالك سخط شعبي على الحكومة وسياساتها لأيد الناس الانقلاب ولما قدموا أرواحهم ودماءهم من اجل إفشاله والحفاظ على الوجه الديمقراطي لبلادهم.

يضاف إلى جانب كل ذلك الانجازات التي قدمها  حزب العدالة والتنمية الحاكم في المجالات المختلفة خاصة الاقتصادية منها والتي لمس أثرها رجل الشارع العادي عبر  تحسن الخدمات الحكومية في الصحة والتعليم والنقل وتسديد المديونية  وزيادة معدلات النمو الحقيقي وتقليص نسبة الفقر والبطالة وخفض التضخم ورفع مستوى دخل الفرد وزيادة نصيبه من الدخل القومي.

عن الكاتب

بكر محمد البدور

باحث متخصص في الشؤون التركية وقضايا الشرق الأوسط يعمل باحثًا في مركز دراسات الشرق الأوسط / عمّان


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس