جلال سلمي - خاص ترك برس

حلَّ بالأمس، 20 مارس/ آذار 2017، أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في إطار زيارة رسمية جاءت تلبيةً لدعوة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي من المقرر تقليده للأمير "وسام الدولة" الأرفع في تركيا وفقاً لوسائل الإعلام التركية والكويتية.

تأتي زيارة الأمير بعد شهر من زيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، لبلاده وعُمان، وبعد ظهور ملامح التصعيد الدبلوماسي والإيراني المتبادل بين تركيا وإيران، فما هي دلالات توقيت تلك الزيارة وما هي أهم المحاور التي قد تتناولها؟

على صعيدٍ اقتصادي، عند النظر إلى التصريحات الرسمية التركية والكويتية التي سبقت الزيارة، يُلاحظ أنَّ الهدف الأساسي للزيارة يتمثل في السعي إلى توسيع مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين.

وفي ضَوء ذلك، يبدو أن تحقيق ذلك الهدف يأتي في إطار وجود رغبة متبادلة لدى الطرفين؛ فبينما اضطرت الكويت لفرض أنواع متعددة من الضرائب، والتوجه نحو تخفيض أعداد الأيدي العاملة الوافدة، والسير قدمًا صوب التنقيب عن بديل اقتصادي للصادرات النفطية الريعية، عقب انهيار أسعار النفط، أجبر الانهيار الملموس للمؤشرات الاقتصادية تركيا على الرجوع إلى الملامح الأولى لسياسة "تصفير المشاكل"، وطي الخلاف السياسي مع دول الخليج بشكل خاص، بهدف استقطاب أموالها للاستثمار، وتوسيع مستوى التعاون التجاري معها، لا سيما أن دول الخليج تُشكل سوقًا استهلاكيًا خصب.

وفي سياق ذلك، قد تفضي هذه الزيارة إلى توقيع اتفاقيات تجارية موسَّعة، على رأسها اتفاقية تجارة حرة، بين البلدين، إذ تساهم اتفاقية التجارة الحرة في إنعاش التعاون التجاري والاستثماري الشامل بين البلدين، وعلى الغالب، ستُسهم علاقة "التبادل المُطق" الرابطة بين البلدين اللذين ينتجان منتجات مختلفة، في اضطرارهما للتعاون المتبادل بشكل أكبر وأوسع، لسد النقص الاقتصادي الموجود لديهما؛ فالكويت دولة منتجة ومصدرة للنفط، وفي الوقت ذاته فإن تركيا دولة بارعة في إنتاج وتصدير عدد من المنتجات الصناعية والزراعية والخدماتية، وكليهما تحتاجان إلى علاقات اقتصادية تكاملية.

وعلى صعيدٍ سياسي، قد يبدو أن الإطار الاقتصادي هو المسيطر على تصريحات المسؤولين، لكن لا شك في أن هناك الكثير من القضايا السياسية التي قد تشغل جدول أعمال الزيارة المذكورة، ومنها:

ـ الأحداث الجارية في العراق؛ فكلا الدولتين مجاورتين للعراق، وتجمعهما "مصالح بينية متبادلة" في هذا الإطار، فمن صالح البلدين النظر بشكل مشترك في إمكانيات تكثيف الجهود لاحتواء الأزمات الفاعلة في العراق، وموازنة النفوذ الإيراني الفج هناك عبر تحركات سياسية واقتصادية تتم مع الجهات السياسية العراقية "السنية والشيعية" الرافضة للنفوذ الإيراني، وإن كانت الكويت على خلاف تاريخي مع العراق، فقد تقنعها تركيا لتجاوزه، أو التحرك معها بشكل غير مباشر.

وربما ينبع التركيز التركي على التعاون مع الكويت فيما يتعلق بالقضية العراقية، من كون الكويت جارة استراتيجية للعراق، حيث إن لها سيطرة واسعة على البوابة الدولية الوحيدة للعراق، كما تتمتع بعلاقة سياسية وأمنية قوية مع الولايات المتحدة، وهذه العلاقة، بلا أدنى شك، تصب في صالح تركيا التي أضحت تبحث عن "علاقات وصلية" تقربها من الولايات المتحدة، وتثبت لها أنها دولة ذات أهمية حيوية بالنسبة للمصالح الأمريكية في المنطقة.

ـ البحث عن تفاصيل زيارة الرئيس روحاني إلى الكويت وعُمان خلال الشهر المنصرم. فعلى الأرجح، يسعى الطرف التركي إلى استقراء هذه التفاصيل، ومن ثم التشاور مع الكويت حول إمكانيات التقارب مع إيران بما يضمن المصلحة المشتركة دون إيقاع الضرر بالمصلحة التركية، وهنا تبزغ أهمية توقيت هذه الزيارة.

ـ الاستفادة من البراعة الدبلوماسية الكويتية في تقريب وجهات نظر المتباعدين على مر التاريخ، فالكويت هي التي أسهمت في تقريب مؤسس المملكة العربية السعودية، عبد العزيز بن سعود، من السلطات البريطانية، وهي التي حفظت مجلس التعاون الخليجي من السقوط عشية احتدام الخلاف السياسي بين قطر والسعودية نتيجة اختلاف برامجهما حيال ثورات الربيع العربي. ومن المرشح، أن يتشاور الجانب التركي مع الضيف الكويتي حول إمكانياته في خدمة المساعي التركي لبناء تعاون سياسي وأمني واقتصادي مع دول الخليج. تعاون يرقى إلى مستوى "التكامل الإقليمي" على المستوى البعيد.

ـ دلالات توقيت الزيارة:

يحتضن توقيت الزيارة الكثير من الدلالات التي توحي بأهميتها، فبينما يتزامن مع حاجة البلدين المتبادلة لرفع مستوى التبادل التجاري الإنتاجي، فإنه يتوافق مع سعي تركيا الحثيث لحشد المواقف الإقليمية الداعمة لموقفها حيال عمليات حل الأزمات العالقة في المنطقة، ويتواقت مع تحركات إيران الميدانية "غير المباشرة" الواضحة بالقرب من الحدود التركية العراقية، وبالقرب من حدود إقليم شمال العراق المحالف لتركيا، لذلك يُتوقع أن تتناول الزيارة عدة محاور اقتصادية وسياسية تخص البلدين والمنطقة ككل.

ختاماً، يحمل توقيت الزيارة ونوعيتها رسالة تركية إلى إيران مفادها: "التحرك الميداني لكم بالقرب من الحدود العراقية التركية، سيدفع تركيا نحو تأسيس سد مضاد يشدد الخناق عليكم وعلى مصالحكم!"، وما يعزز احتمال الرغبة التركية في إرسال هذه الرسالة، هو موقع الكويت الجغرافي الاستراتيجي المهيمن على البوابة البحرية الدولية العراقية، والقريب من المياه الإقليمية الإيرانية. ولا شك في أن تحقيق تركيا لذلك يقف على مدى استعداد الكويت له.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس