جلال سلمي - خاص ترك برس

بات من الواضح أن تركيا أصبحت محصورةً في مساحةٍ ضيقةٍ تقل فيها الخيارات المتعددة للتحرك داخل سوريا، وبذلك أضحت السياسة الخارجية التركية تمر في مرحلة من أصعب المراحل التاريخية لها منذ تأسيس الجمهورية التركية في مطلع عشرينات القرن الماضي، بذلك يصف الخبير الاستراتيجي غالب دالاي حال السياسة الخارجية التركية.

فيما كانت تركيا تعوّل على الإدارة الأمريكية الجديدة في تحقيق مناخ توافقي مشترك يُمكّنها من مواصلة تقدمها من "الباب" إلى "منبج"، حيث المحطة الأخيرة من عملية "درع الفرات" التي بدأتها في نهاية آب/ أغسطس من العام المنصرم، صُدمت بتحرك روسي يزيد من تضييق الخناق على تحركها في اتجاهات بديلة "لمنبج"، من خلال نشر بعض القوات في "عفرين".

وفي ضوء رصده للتحديات التي تواجه تركيا اليوم في المنطقة، وتسعى تركيا للتغلب عليها، يسرد الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، غالب دالاي، في مقاله "خيارات تركيا في المنطقة" المنشور على موقع الجزيرة باللغة التركية، تلك التحديات على النحو التالي:

ـ الحزام الكردي الذي يسعى حزبا العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي إلى مدّه من "سنجار" العراقية حتى "عفرين" السورية.

ـ التهديدات الأمنية والأزمات السياسية الجمّة التي هيمنت على المنطقة ككل.

ـ موازنة التوغل الإيراني في المنطقة.

وعن الخيارات الممكنة لتجاوز هذه التحديات بأقل الخسائر، يوضح دالاي أن الأمر لا يتعلق بالتحركات الميدانية والعملياتية، بقدر ما هو متعلق بالقرارات والمناورات السياسية، وبناءً عليه يقترح دالاي الخيارات التالية:

ـ التفكير بمستقبل الرقة السياسي وليس التحرك العسكري الخاص بعملية تحريرها. فوحدات الحماية الكردية تحظى اليوم بعناية أمريكية نتيجة دورها الوظيفي الفعال في محاربة "داعش"، ولكن بعد تحرير الرقة على الأرجح ستشهد هذه العناية تدنيًا ملموسًا، لأن الولايات المتحدة حينها ستنصب تركيزها على سياسة إعادة الاستقرار للمناطق المحررة، وهنا يجب على تركيا، وفقًا لدالاي، رسم سياسة لما بعد تحرير الرقة. وهنا يمكن لتركيا إجراء مناورات سياسية تُنيط المعارضة السورية المعتدلة بأدوارٍ مستقبلية في عملية الإدارة.

ـ إظهار إصرارها على تحديد سياسات تحترم إرادتها ولا تتجاوزها، من خلال إجراء بعض التحركات العسكرية، حتى لو كانت شكلية، تجاه المناطق المسيطر عليها من قبل وحدات الحماية الكردية، كبلدة "تل رفعت"، أو من قبل قوات النظام، ولكن يجب على تركيا أن تُبقي هذه العملية بطيئة وفي إطار تحذيري وليس تصعيدي، لأن إجراءها فعلًا يوقع تركيا في مأزق تقارب أوسع بين قوات النظام وروسيا، وبين وحدات الحماية الكردية وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

ـ الابتعاد عن الإمعان في تأييد سيطرة نظام الأسد على المناطق التي تحررها وحدات الحماية الكردية، فذلك يؤدي إلى امتعاض قوات المعارضة وزيادة ضغط القوى الدولية على تركيا، ظنًا منهم بأنها غدت دولة "مستكينة"، لذا الأفضل الإبقاء على تأييد مطالب الثورة السورية، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية ومركزية حكومتها.

ـ رفع وتيرة الدعم السياسي والعسكري المقدم لبارزاني، لدفع قواته نحو مدينة "سنجار"، وطرد عناصر حزب العمال الكردستاني من هناك بالكامل، بالإضافة إلى النظر في مد حزام واقي مكون من قوات المعارضة يشكل حاجزًا أمام تحقيق حزب العمال الكردستاني هدفه المنشود. ولا بد من الإصرار على الزج بقوات البشمركة السورية المنضوية في الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، والذي يشكل عنصر موازنة فعال لسيطرة وحدات الحماية الكردية الكاملة على المناطق الكردية السورية، إلى داخل سوريا.

وبموازاة ذلك، يشارك الخبير السياسي، تونجا بانجين، دالاي فيما يتعلق بنقطة مواصلة دعم قوات المعارضة، إلا أنه يختلف عنه بدعوتها إلى تنسيق مفتوح مع النظام السوري وإيران، موضحًا أن تركيا لم تعد أمام طموح الدب الروسي فقط، بل أمست أمام تحدي تنسيق ذلك الدب مع النسر الأمريكي.

وأضاف أن روسيا والولايات المتحدة تقدمان الدعم العسكري إلى وحدات الحماية الكردية، غير مباليتين بالمصلحة الأمنية الاستراتيجية التركية، ولتفتيت هذا التنسيق وتخفيف أضراره، ينبغي على تركيا تشكيل قطب مضاد لا يؤدي إلى انهيار تنسيقها مع روسيا والولايات المتحدة بشكل كامل، ولكن يوازن ذلك التنسيق، ويجبره على احترام مصالحها.

وعن ردة الفعل الأمريكية، يُشير بانجين، في مقاله بصحيفة ملييت "ورقة الباب ضد الولايات المتحدة"، إلى أن تركيا أمام اختبار يوجب عليها التصرف بروح هجومية متحدية، وإلا فإن الخسائر الاستراتيجية ستكون من نصيبها لا محال.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!