إبراهيم قارقول – صحيفة يني شفق 

انهيار العلاقة الثنائية بين إسرائيل وتركيا في النصف الثاني من القرن العشرين، قد غيّر كل موازين القوى في المنطقة، كما غيرتها سقوط القطبية الثنائية في النظام العالمي.

لا شك أنّ انقطاع العلاقات بين تركيا وصديقتها مصر، بسبب الانقلاب العسكري هناك، قد أدى إلى تقوية الموقف الإسرائيلي، فوقوف تركيا إلى جانب الديمقراطية بهذا العزم والإصرار، أدى إلى تقارب غير مسبوق بين مصر وإسرائيل، واللتان يحاولان تشكيل جبهة موحدة ضد تركيا.

بعد الحرب العالمية الأولى، تشكّل حولنا مجموعة من الأنظمة الوحشية التي وضعتها الدول الاستعمارية، ومع بدء محاولة الشعوب التخلص من الأنظمة التابعة للدول الاستعمارية، ومحاولتها حماية أنفسها من بطش هذه الأنظمة، كانوا يريدون أن يكون ذلك نهاية لسيطرة الغرب على منطقتنا والتي استمرت نحو مئة عام.

ولا شك أنّ وقوف أنقرة القوي تجاه هذه الثورات، أدى إلى دبّ الرعب في قلوب كل الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط، كما الدول المتحكمة بها، وهذا أدى إلى حركة واسعة في الشارع العربي تطالب بالحرية والديمقراطية.

الشعوب التي تطالب بالحرية والعدل والشرف الآن، كان تعيش لسنوات عديدة تحت بطش الظلم، وذلك بعدما وجدت من يدعم مطالبها ويدعم آرائها وحقوقها، وهي تركيا. وعند النظر من هذه النافذة، نرى أنّ الأنظمة في المنطقة، الأنظمة الظالمة الباطشة، بدأت بتهديد تركيا من خلال الدعم القائم لها من الدول الغربية المتحكمة بها، لكن في مقابل ذلك لا يمكننا إغفال القلق الحقيقي الذي ينتاب هذه الأنظمة وحجم الخسائر التي يتعرضون لها.

 

إيقاف تركيا واللعبة الكبيرة

بمعرفة تلك المعطيات نستطيع توقع أنْ تقوم هذه الأنظمة ومن يدعمها بحياكة لعبة كبيرة من أجل إيقاف تركيا، وفعليا تركيا كان بإمكانها اختيار الطريق السهل، وهي أنْ تلتزم الصمت وتهتم بأمورها فقط، بدلا من الاهتمام بمَن هم حولها.

لكن تركيا لم تختر ذلك، بل استمرت في سياستها وفي تطبيق مبادئها، لذا أخرجوا أمامها قضايا معقدة، منها المسألة الكردية، التي وقفت تركيا بقوة في وجه المؤامرة التي حكيت من خلالها، فازدادت تركيا قوة، وازدادت استقلالية، وبدأت بتقوية نفسها أكثر فأكثر، وبدأت برسم طريقها لوحدها، فهي لم تخضع لأهداف تلك المؤامرة ولم تنقسم وتتمزق، بل كسبت حرب الوجود وازدادت قوة وعنفوانا.

هناك بعض الأطراف الداخلية محرومون من رؤية الصورة كاملة بهذه الطريقة، يحاولون بصورة يومية فهم تركيا والمنطقة بحسابات قصيرة الأمد، لكن هذه الأحداث هي حرب طويلة بحاجة إلى نفس طويل، وعلينا أن نصبر أكثر، ونفهم أبعاد ما يجري بصورة كاملة.

هناك كثير من الأمور تتغير في العالم بصورة متسارعة، وعلى تركيا أنْ تتغير إلى الأحسن، وبلا شك كتابة التاريخ أمر صعب، ويحتاج إلى قوة وعزيمة وإلى الصبر، وهكذا تفهمون الآن سبب تشكل جبهة ضد تركيا، فلا يوجد أي فرق بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة وبين الدول الغربية الاستعمارية.

تحالف شرق أوسطي ضد تركيا

بعد اكتشاف إسرائيل لحقول غاز هامة جدا يعود جزء منها للبنان، والجزء الآخر لفلسطين، حصلت على دعم من ألمانيا وفرنسا لتشكل تحالف جديد في الشرق الأوسط.

في البداية كانت مصر تشغل حيزا كبيرا في هذا المشروع، لكن تصرف أنقرة الحازم تجاه هذا الموضوع أجبر المصريين على التراجع، وقد عقدت إسرائيل اتفاقية تعاون مع القسم الرومي لقبرص ومع اليونان على الصعيدين العسكري والطاقة، وقد وقعوا اتفاقية تعاون عسكرية وصلت لدرجة إتاحة استخدام المجال الجوي لهذه الدول.

هذه هي إستراتيجية الإحاطة بتركيا، فهناك قوات عسكرية تملك صواريخ S300 في عراء جزيرة كريت اليونانية، وهناك سفن حربية إسرائيلية متواجدة الآن في جزيرة ميس القريبة من تركيا.

مصر قد دخلت تحت الوصاية الإسرائيلية بعد الانقلاب العسكري الذي حصل هناك، وقد شاركت مصر بقوة في هذا المشروع من أجل الانتقام من تركيا، وهذه الجبهة المصرية-الإسرائيلية تزداد قوة وتقاربا يوما بعد يوم.

لكن كل هذه الأحداث، لا تشير سوى إلى حقيقة واحدة، وهي أنّ تركيا أصبحت من القوى المركزية، وتشير هذه الأحداث إلى القوة الحقيقية التي تملكها تركيا في المنطقة، فكلما ازدادت قوتكم كلما رأيتم الأعداء يكثرون حولكم، وهذا أمر صحي وطبيعي.

كل هذه الأحداث تشير إلى القلق الشديد من تركيا ونفوذها وقوتها، وسيشعرون بمزيد من هذا القلق في الأيام القادمة، لأن تركيا لن تعود عن طريقها الذي بدأت به، ولن تتراجع عن مهمتها التاريخية.

عن الكاتب

إبراهيم قاراغول

كاتب تركي - رئيس تحرير صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس