علي خيري - خاص ترك برس

تابعت بشغف عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، وهذا الشغف لا يرجع إلى مجرد ترقبي للنتيجة التي كنت أتمناها، بل كان مرجعه الغبطة التي أصبحت أنظر بها إلى أي شعب يقف محتكما الى الصندوق الانتخابي.

كنت أنظر للطوابير التي تقف منتظرة دورها للمشاركة في الاستفتاء كما ينظر المريض للسليم، كما ينظر الجائع لمطعم يعرض منتجاته في واجهته الزجاجية، انظر لهذا الاستفتاء كشاب مصري في سنة 2017، يحاول أن يتذكر بلده التي كانت انتخاباتها واستحقاقاتها الانتخابية الأخرى محط أنظار العالم، وكان النشطاء يتسابقون فيما بينهم على نقل آخر أخبار سباقاتها الانتخابية على صفحات التواصل الاجتماعي لمتابعيهم المتشوفين.

أنظر لاستفتاء تركيا الذي ظلت نتيجته غير محسومة لأخر دقيقة قبل البدء في الفرز، بعكس بعض البلاد العربية التي لا يترشح فيها إلا شخص واحد أساسا، وإذا ترشح أمامه شخص آخر لا يقوم إلا بدور الكومبارس الصامت.

البعض نظر إلى التقارب الشديد في النسبة بين الرأي القائل بنعم والرأي القائل بلا للتعديلات الدستورية (51.40%  مقابل 48.60%) بنظرة سلبية وأخذ يدندن على نغمة أن نصف الشعب التركي رفض، وهذا يعد عيب في النتيجة من اللازم أن يعيب التطبيق بعد ذلك، وكلام كثير من هذا القبيل لا يمت للعلوم السياسية بأدنى صلة، ولا لمفهوم الديمقراطية بأي قرابة، كلام لا يصدر إلا من شخص ألف وتعود على نتيجة الاستفتاءات التي من عينة 99.99%.

ضع في اعتبارك أن نفس هؤلاء الأشخاص كانوا سيشمتون في أردوغان إذا تغيرت المقاعد بنفس النسب، وسيعتبرون أن الشعب التركي قال كلمته الحاسمة، التي يجب على الجميع الانصياع لها، ومن يخرج عن هذا فهو عدو للديمقراطية يجب أن يقصى من منصبة بأسرع ما يمكن.

ما أعجبني في هذة النسبة المتقاربة هي أنها بينت للعالم مدى الحرية التي يعيش فيها الشعب التركي، حرية في التفكير ظهرت في هذا التقارب على الرغم من الحملات المكثفة التي شنها الفريقين لإقناع أكبر قدر ممكن من الجماهير بوجهة نظره، وتجلت في أن معظم الشعب الذي أتفق على مجابهة الانقلاب، اختلفت آراؤهم الفكرية في كيفية إدارة البلاد في الفترة القادمة وهذا يعد قمة النضج الفكري، والحرية المادية التي تمثلت في عدم تزوير إرادة الناخبين كما يحدث في بعض البلاد العربية.

أغبط أهل تركيا على الحرية التي يعيشون فيها وحرمت منها في بلادي، وقد تذكرت الحكمة المعروفة التي تقول أن الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، وأنا أقول إن الحرية تاج فوق رؤوس الأحرار -الأتراك في حالتنا- لا يراه إلا من يئنون تحت قيود الاستبداد -معظم الشعوب العربية والاسلامية في حالتنا-.

ولكن دعوني أقول إن الأتراك استحقوا تاج الحرية الذي يرتدونه بفخر الآن فوق هامتهم، حيث أنهم أنتزعوه أنتزاعا من الإنقلابيين في ليلة 15 يوليو/ تموز التي تضرجت شوارعهم فيها بدماء الأحرارالذين ناموا أمام جنازير الدبابات، ولولا ذلك لوجدت تركيا الفرحة اليوم بحريتها بلدا أخر لا يختلف في مصيره عن مصير باقي دول المنطقة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس