معاذ صلاح الدين - عربي 21

صدق أولا تصدق...هذا المقال هو الأول في سلسلة مقالات عن داعش...رغم أنك لن تجد فيه كلمة داعش بعد الآن!!
على الأقل ليس قبل مقالين أو ثلاثة.

فرغم أن الهدف كان الكتابة عن داعش ولكني مع كل محاولة للكتابة أتأكد أنه لا يمكن كتابة شيء له قيمة اذا اتبعت نفس السياسة التي تتبعها وسائل الإعلام! 

فما تعمد إليه وسائل الإعلام هو أن تختزل المكان والزمان في لقطة، وتجعلك تنظر في هذه اللقطة فقط وكأنها كل الحدث...وهذا ببساطة تضليل! لذلك أحاول هنا أن أبتعد "بالكاميرا" قليلا لنرى الصورة بشكل -قد لا يكون بالضرورة أكثر وضوحا- ولكنه بالتأكيد أكثر شمولا ومصداقية. لذلك بدلا من أن يكون الحديث عن داعش والزمان 2014 والمكان كوباني. سيكون الحديث عن كل الأطراف المؤثرة والمكان المنطقة العربية والزمان يمتد لأكثر من ربع قرن.

قد يبدو هذا الأسلوب غريبا ولكني أؤمن أن فهم الواقع مستحيل بدون ربطه بالماضي...فالتاريخ في النهاية قصة متصلة...والقصص لا تقرأ من منتصفها!

(1)

الزمان: 1989

لم يكن قد مر أكثر من عام على انتهاء الحرب العراقية الإيرانية. الحرب التي خرج منها طرفاها منهكان عسكريا واقتصاديا. وكان صدام حسين في أوج قوته فهو القائد المنتصر (ولو على الصعيد الإعلامي فقط).

لنلتقط تفاصيل الصورة كاملة سنضطر هنا للابتعاد بالكاميرا خطوة أخرى للخلف...الى بداية منعطف تاريخي بمعنى الكلمة...قبل عشر سنوات.

ففي عام 1979 قامت الثورة في إيران ضد نظام الشاه الحليف الاستراتيجي لأمريكا والذي كان يعرف بالشرطي الأمريكي في المنطقة.

وبدون الدخول في التفاصيل كانت الثورة ضربة مؤلمة لأمريكا وللمعسكر الغربي في ظل الصراع بين القطبين الكبيرين وقتها، ولكنها في نفس الوقت لم تكن إضافة للمعسكر الآخر فقد كان شعار قائد الثورة "لا شرق ولا غرب".

جاء الخميني وجاء معه ما يعرف بالثورة الإسلامية، وجاءت أول حكومة شيعية مائة بالمائة في المنطقة.

وفي العام التالي مباشرة 1980 اندلعت حرب الثماني سنوات...حرب العراق وإيران.

كان السبب المعلن للحرب: خلاف حدودي! ولكن في الحقيقة كان لقيام ثورة "دينية" في إيران وحلم الخميني بتصدير الثورة ما يكفي لإشعال فتيل حرب مدعومة بمخاوف دول الجوار وخاصة التي يسكنها مجموعات شيعية (العراق ودول الخليج) من انتشار الثورة إليها. لذلك كان دعم دول الخليج للعراق في هذه الحرب مطلقا وبلا حدود. ولهذا السبب أيضا-ورغم أنه كان هو البادئ بالغزو- تم تصوير صدام أنه حامي البوابة الشرقية للوطن العربي وللإسلام السني من غزو فارسي شيعي. وفي الواقع فإن الخميني كان يدعو صراحة لإسقاط الأنظمة الملكية واستبدالها بجمهوريات إسلامية.

بداية الحرب كانت اجتياحا عراقيا لإيران فقد كان صدام منتشيا بتفوق واضح للجيش العراقي على صعيدي التسليح "لأن الجيش الإيراني كان يعتمد تماما على السلاح الأمريكي في عهد الشاه وعندما قامت الثورة امتنعت أمريكا عن بيع السلاح أو قطع  غيار" والتنظيم "حيث أن جيش إيران كان يمر بإعادة هيكلة وأغلب قادته الكبار كانوا محسوبين على نظام الشاه فتم اعتقالهم من قبل الثورة" ولكن مع الوقت تبين صدام خطأ حساباته وبحلول عام 82 كانت ايران قد استردت أراضيها وأصبحت الحرب سجالا بعد ذلك وهو الوضع الذي حرص كثيرون على استمراره. 

(2)

فماذا كان موقف باقي اللاعبين في العالم؟

الدول العربية: كانت في معظمها تدعم العراق ومحسوبة تماما على القطب الغربي باستثناء سوريا -التي دعمت إيران لدرجة وقف تصدير البترول العراقي عبر أراضيها- وليبيا. دعم الخليج العراق بالأموال الكثيرة ودعمت مصر بالسلاح، وقيل أحيانا بالجنود والتدريب العسكري.

مصر تحديدا كانت تتحول في السبعينات من المعسكر الشرقي الى الغربي في هذه العهد الساداتي وسياسته "الانفتاحية" ثم زاد الارتباط في العهد المباركي. وزاد عليها من الناحية الأخرى قطيعة كاملة بين مصر وإيران... كانت إيران غاضبة من استضافة مصر للشاه المعزول وكانت مصر غاضبة من تأييد إيران لاغتيال السادات.

الاتحاد السوفيتي: كان داعما بالطبع لنظام صدام حسين الاشتراكي (لا تنس أن هذه الفترة كانت فترة احتدام الصراع بين الاتحاد السوفيتي والاشتراكية "المعسكر الشرقي" من ناحية وبين أمريكا والغرب والرأسمالية "المعسكر الغربي" من ناحية أخرى).

أمريكا: كانت أمريكا في موقف صعب! فهي بين نظامين أحدهما موالٍ لخصمها الأهم في هذا الوقت، والآخر أطاح بحليفها القوي من المنطقة واتخذ منها موقفا عدائيا وسماها الشيطان الأعظم.

حسمت أمريكا موقفها باتخاذ موقف علني "محايد" وأميل للعراق باعتبار أن النظام "الاشتراكي" أقل خطورة من النظام "الرجعي".

واتخذت موقفا سريا مفاده جملة واحدة:"يجب أن يخسر الطرفان". فكانت تقوم بعمليات بيع السلاح للعراق في العلن وتبيع لإيران سرا -رغم أن العلاقات الدبلوماسية مقطوعة رسميا- عن طريق إسرائيل "وهو ما يعرف بفضيحة ايران-كونترا... حيث كانت تستخدم الأموال من تلك الصفقة لدعم الثوار في نيكاراجوا ضد الاتحاد السوفيتي".

موقف براجماتي يدرس!

توافقت سياسة أمريكا مع رغبة إسرائيل، فبحسب ما ذكره ديفيد مينشري من جامعة تل أبيب، خبير في شئون إيران، "على مدار الثمانينيات من القرن العشرين، لم يقل أي شخص في إسرائيل كلمة عن الخطر الإيراني، لم تكن هذه الكلمة تنطق." لأنه رغم الخطب المعادية لإسرائيل التي كانت تعرض على الملأ في إيران، ففي واقع الأمر كانت الدولتان تعتمدان سرًا على دعم بعضهما البعض لمواجهة كل من العراق والاتحاد السوفيتي.

(3)

فأين كانت تركيا؟؟ كانت السبعينات فترة مختلفة بالنسبة لتركيا فقد شهدت الظهور الأول في تاريخها للأحزاب الإسلامية في انتخابات 73 ثم زيادة شعبيتها في 75 وتولى نجم الدين أربكان رئاسة وزرائها...ولكن! تنامي شعبية الاتجاه الإسلامي مع حدوث ثورة "دينية" في ايران أثار قلق أمريكا أن تفقد حليفا آخر بهذا الحجم في المنطقة...فخططت مع الجيش التركي الذي كان يشاركها نفس العداء لهذا التيار للقيام بانقلاب عسكري...فكان انقلاب كنعان أوفرين "رئيس أركان الجيش التركي" في 1980. استولى الجيش على السلطة وتولى كنعان الرئاسة واستمر في الحكم الى 1989. في جميع الأحوال لم يكن لتركيا علاقة كبيرة بالأحداث في المنطقة العربية في هذه الفترة فقد كانت هذه القيادة من أنصار فك أي ارتباط بالأقطار العربية والإسلامية والتطلع إلى الغرب ليحتضن تركيا.

(4)

بعيدا قليلا عن المنطقة العربية ولكن شديدة الارتباط بها كانت هناك منطقة أخرى مشتعلة...أفغانستان.

تعرضت أفغانستان لغزو سوفيتي عام 1979 وبدأ الأفغان في مقاومة الاحتلال فيما عرف بـ"الجهاد الأفغاني". ربما لا يستطيع أن ينسى من عاش هذه الفترة كيف كان الدعم العربي رسميا وشعبيا للمجاهدين ودعوات التبرع والاحتفاء بالمجاهدين سواء الأفغان أو العرب الذين تطوعوا للجهاد هناك. كانوا الأبطال! وكانت أمريكا تمدهم بالسلاح ويتم التدريب في معسكرات بباكستان والتمويل -كالعادة-عربي خليجي بالدرجة الأولى. حتى النظام الحاكم في مصر كان يدعو لدعم المجاهدين والتبرع لهم! ولم يكن شيء من ذلك ليحدث -على الأقل بشكل رسمي علني مثلما كان يحدث- الا بموافقة أمريكا...وقد كانت أكثر بكثير من موافقة! 

في هذا العام 1989..خرج آخر جندي سوفيتي من أفغانستان.

ربما لا أحتاج للفت انتباهك أن أفغانستان لم تكن الجزء الوحيد من "الأمة الإسلامية" المحتل في هذه الفترة...كانت هناك بلد أقرب وأقدس...تدعى فلسطين! ولكن الجهاد ودعمه وسلاحه توجه الى أفغانستان وليس فلسطين! كان الشباب المجاهد صادقا في حبه نيته وجهاده، فلا يوجد ما يدفع شخص للتضحية بحياته في بلاد غريبة الا عقيدة صادقة، ولكن هل كانت كل الأطراف كذلك؟

وهل يبدو هذا المشهد مألوفا؟

لا تسمح المساحة بأكثر من هذا الجزء من الصورة الآن...وإن قدر الله لنا، نكمل ربط أجزاء الصورة بالنظر في العقد الأول من الألفية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس