إيرينا أليكسنيس - صحيفة فزغلياد الروسية - ترجمة وتحرير ترك برس

خلال شهرين، زار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان روسيا مرتين. ولكن على خلاف ما حدث مع المحادثات الروسية الألمانية، التي سبقت اللقاء التركي، فإن نتائج المحادثات الروسية التركية تعتبر أكثر نجاعة. ويعود نجاح هذه المحادثات إلى شعور تركيا بالقلق إزاء القضية السورية، ما يستوجب عليها التوصل لاتفاق مع الجانب الروسي.

العلاقات بين "الرجلين"

انتبه المراقبون، أثناء اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي بوتين بنظيره التركي أردوغان، إلى أدق وأصغر التفاصيل، على غرار تعابير الوجه ولغة الجسد وأسلوب الحديث. وبالتالي، يبدو أن زيارة الرئيس التركي إلى روسيا تكتسي صبغة خاصة وتنال أهمية كبرى على الصعيدين المحلي والعالمي، وذلك لأنها تمثل مادة ثرية وفرصة للمقارنة بين أردوغان وبقية دول العالم فيما يخص علاقته بروسيا. ومن هذا المنطلق، تم التأكيد في أكثر من مناسبة على طبيعة العلاقات بين البلدين (روسيا وتركيا) والصلة التي تجمع بين القادة، التي تعتبر متميزة إلى حد ما.

وعلى ضوء هذه الزيارة، تجدر الإشارة إلى أن المحادثات بين ميركل وبوتين قد تركت انطباعا سيئا أكد أن كلا الطرفين يتحدثان بلغة مختلفة، لذلك فإن حجم الخلافات بينهما قد عمق الهوة وأدى في نهاية المطاف إلى طريق مسدود. ولكن، الأمر يختلف مع تركيا، إذ أن العلاقات الروسية التركية، بشكل عام، تمهد للمفاوضات في كافة المجالات، وتكشف عن مدى توافق الزعيمين التركي والروسي وتقارب مواقفهما. وخير مثال على التناغم بين الزعيمين أثناء المفاوضات، مخاطبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، بضمير "أنت" بدل "أنتم"، للإشارة إلى مدى تقارب العلاقات بين الدولتين.

وفي هذا الإطار، وعلى الرغم من وجود العديد من التناقضات والخلافات التي تميز العلاقة الروسية التركية حول العديد من القضايا، إلا أنهما يتشاركان عدة مصالح ويفهمان بعضهما البعض. في الظاهر، يوحي استعمال بوتين للغة بسيطة بعيدا عن البروتكولات الدبلوماسية أثناء تحاوره مع أردوغان، إلى علاقة الصداقة التي تجمعهما.  وفي الواقع، إن هذه العلاقة ليست صداقة وإنما علاقة تعاون وتفاعل جيوسياسي بين الجارتين. كما أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثانية إلى موسكو، خلال الشهرين المنصرمين، تشير إلى مدى اهتمام القائد التركي بالتعاون مع موسكو.

المواضيع الرئيسية

في اللقاء الذي جمع أردوغان ببوتين، ركز الرئيس الروسي في الكلمة التي ألقاها حول العلاقات الثنائية على إزالة الحواجز التجارية، وضمان سلامة السياح الروس في تركيا وغيرها من التدابير الهامة لتعزيز العلاقات الثنائية. أما الرئيس التركي، فقد ركز على القضية السورية، وتطرق للعديد من التفاصيل التي تخص الملف السوري. وفي السياق نفسه، تزامنت زيارة أردوغان إلى سوتشي مع مرحلة حاسمة ومهمة  في مسار الأزمة السورية.

وفي هذا الصدد، قدمت السلطات الروسية مقترح إقامة مناطق "الحد من التوتر" لحقن دماء السوريين ووضع حد للحرب. كما قرر الرئيس الروسي تنفيذ حظر جوي على جميع الطائرات في "المناطق الهادئة"، وقد شمل هذا الإجراء أيضا الطائرات الروسية، مع الالتزام بضرورة عدم تفادي وجود أي نوع من الأنشطة العسكرية في هذه المناطق تجنبا لأي تصعيد.

ووفقا لأحد الصحفيين الأتراك، وعد بوتين بعد انتهاء الاجتماع الأخير مع أردوغان، بتحرير التأشيرات بالنسبة لرجال الأعمال الأتراك. وتعد هذه المسألة بالغة الأهمية بالنسبة لرجال الأعمال الأتراك، إلا أن وعود بوتين لم ترَ النور بعد، حيث قدم الرئيس الروسي مجرد وعود حول تحرير التأشيرة لكنه في المقابل لم يلزم نفسه بأي شيء.

العلاقات تتجه نحو الأفضل

من المهم الإشارة إلى أن المحادثات بين الزعيمين التركي والروسي انتهت بنتائج مبشرة فقد تمكنا بفضلها من التوصل إلى بعض الاتفاقات. أولا، سيتم رفع القيود المفروضة على بعض السلع التركية والروسية، ما من شأنه أن يعزز العلاقات التجارية. وبالنسبة لروسيا سيتم إزالة القيود على الحبوب الروسية.

ثانيا، استثنت روسيا بعض المنتجات التركية من القيود الجمركية، على غرار الطماطم التي ستبقى خاضعة للقيود التجارية. ويفسر ذلك، برغبة روسيا في حماية منتجيها المحليين، وسوف يستمر الحظر لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات. ثالثا، ستعقد الدولتان اتفاقا يقضي بالتعاون في المجال السياحي، خاصة مع اقتراب الموسم السياحي.

ووفقا لما ذكر آنفا، أثبتت نتائج المفاوضات الروسية التركية نجاعتها ونجاحها مقارنة مع اللقاء الألماني الروسي. بالإضافة إلى ذلك، لاقى المقترح الروسي فيما يخص "المناطق الهادئة" ترحيبا من قبل الجانب التركي. وعلى هذا الأساس، يبدو أن موسكو من خلال مشاركتها في الحرب السورية لا تسعى لاستعادة مكانتها في الساحة الدولية فقط، وإنما إثبات نفسها كلاعب جيوسياسي فعال بمساندة البعض من شركائها.

علاوة على ذلك، تمكنت روسيا من رسم استراتيجية تعزز مكانتها وتثبت أنها قادرة على اتخاذ بعض التدابير الفعالة والناجعة لوقف سفك الدماء في سوريا، نظرا لعجز الولايات المتحدة عن اتخاذ أي تدابير مماثلة. وفي المقابل، مثل دعم أنقرة وواشنطن لمقترحها الأخير تعزيزا لمكانتها السياسية، وهو ما يكون له تأثير على اقتصادها الوطني وليس فقط على مكانتها السياسية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس