جلال سلمي - خاص ترك برس

منعت السلطات التركية، يوم الاثنين 15 آذار/ مارس، نوابًا ألمان من زيارة قاعدة إنجرليك في مدينة أضنة التركية. الأمر الذي أعاد الخلاف التركي الألماني إلى السطح.

هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها في مسار العلاقات التركية الألمانية المتوترة منذ فترةٍ طويلة. ولكنها في الوقت ذاته، ليست حادثة منفصلة عن الحوادث السابقة التي أثرت سلبًا في مسار علاقات البلدين اللتين لطالما تمتعتا بعلاقاتٍ متوافقة إلى حدٍ كبير حيال الملفات الفعالة في الساحة السياسية.

أُسبابّ عدة تقف وراء حالة التوتر التي تشوب العلاقات التركية الألمانية، غير أن النقاط التالية تكاد تُمثل الأسباب المباشرة لهذا الخلاف:

ـ السبب الأساسي المباشر المُعلن حول هذا المنع هو قرار البرلمان الألماني الصادر في 2 حزيران/ يونيو 2016، والذي وصف الأحداث الأرمنية في عام 1915 "بالإبادة"، الأمر الذي ردت عليه تركيا بإصدار قرارٍ يمنع وصول النواب والمسؤولين الألمان إلى القاعدة. ولعل أهمية الهوية للدولة القومية ومدى تأثيرها على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هو ما يدفع تركيا لمقاومة مثل هذه القرارات بشراسة. فوصف الأحداث الأرمينية "بالإبادة" لا يقف عند اضطرار تركيا لدفع تعويضات باهظة فقط، بل يمتد ليكون "بصمة عار" في تاريخ تركيا التي ستصبح مضربًا للتصريحات الإعلامية المضادة لها، في حال حثت، أي تركيا، الدول الأخرى على رعاية حقوق الإنسان أو أي مواضيعٍ مثاليةٍ أخرى.

ـ تعتبر الخلافات الأمنية الموجودة بين الطرفين أيضًا أحد الأسباب التي أعادت الخلاف للسطح، فوفقًا لمصادر إعلامية تركية متطابقة، زودت الاستخبارات التركية الاستخبارات الألمانية بقائمة بأسماء المطلوبين من جماعة غولن، فاتجهت الاستخبارات الألمانية بدلًا من التعاون مع الاستخبارات التركية، إلى تحذير المطلوبين، لرفع احتياطاتهم الأمنية. وفي ذلك السياق، يعتبر منح ألمانيا حق اللجوء لبعض ضباط انقلاب 15 تموز/ يوليو أحد أسباب الخلافات الأمنية التي تنعكس بدورها على خلق خلاف دبلوماسي الطرفين.

ـ وعلى الأرجح، تغاضي ألمانيا عن الأنشطة السياسية والمجتمعية التي يُجريها حزب العمال الكردستاني على أراضيها، بالرغم من إعلانه كمنظمة إرهابية في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1993، يعتبر أحد الأسباب المباشرة للتوتر الحاضر بين الطرفين. كما ورود شكوك للقيادة التركية بتوجيه ألمانيا دعمًا لوجستيًا إلى حزب الاتحاد الديمقراطي "الكوردستاني السوري" يؤدي إلى اتباع القيادة التركية سياسة هجومية ضد ألمانيا.

ـ ربما هناك هدف تركي يرمي إلى الضغط على ألمانيا ـ الدولة المتزعمة لسياسة الاتحاد الأوروبي ـ لاستقطاب دعمها للأهداف التركية في سوريا، والمتمثلة في إيقاف دعم التحالف الدولي لوحدات الحماية الكردية، وتعجيل عملية الحل السياسي، والاتجاه نحو إبعاد بشار الأسد عن رأس السلطة في سوريا، وبالتالي تحقيق سياسة "تقاسم الأعباء" في الملف السوري. تلك الأعباء التي أرهقت تركيا، وكبّدتها الكثير من الخسائر. وعادةً تضغط تركيا على الاتحاد الأوروبي، لإقناعه بهذه السياسة، عبر ملف اللاجئين، وملف التعاون الأمني ضد المنظمات الإرهابية.

ـ منع النواب الأتراك من ممارسة الدعاية السياسية، والحديث عن منع المواطنين الأتراك من التصويت على استفتاء إعادة تطبيق حكم الإعدام في تركيا. الأمر الذي تُفسره تركيا على أنه تدخل سافر في شؤونها الداخلية.

ـ المبادئ الليبرالية المثالية التي تعترض على "تدهور حقوق الإنسان" في تركيا: هنا لا بُد من الإشارة إلى أن التصريحات الألمانية ضد تركيا لا تنبع من سياسة "الاستعلاء" فقط، وإن كانت هناك نبذة من الاستعلاء الأوروبي حيال دول العالم الثاني والثالث، إلا أن الاتحاد الأوروبي ودوله يعترض على بعض التطبيقات القانونية في تركيا، من باب اعتبارها عنصرًا مقرباً للاتحاد الأوروبي، وعليه يجب توجيه تركيا، لوقايتها من الانزلاق في سياسات تحدث ضمورًا في المبادئ الليبرالية المثالية. وعند التأمل في سياسة الاتحاد الأوروبي حيال دول أوروبا الشرقية، نجدها تختلف حيال دول الشرق الأوسط، فهو ينتهج السياسة التوجيهية حيال أوروبا الشرقية، كونها عناصر مقربة له، ويتبع سياسات واقعية تحالفية مع دول الشرق الأوسط، حتى ولو كانت بعيدة كل البعد عن المبادئ الليبرالية المثالية، كمصر مثلًا.

ـ ربما هناك رسالة تركية دبلوماسية إلى ألمانيا، لا سيما وأن هذا المنع يتزامن مع حديث المسؤولين الألمان عن عدم سماحهم للمواطنين الأتراك في ألمانيا بالمشاركة في حال تمت عملية استفتاء تقضي بإعادة حكم الإعدام إلى التطبيق في تركيا، فعلى الأرجح، أرادت تركيا إرسال رسالة إلى ألمانيا مفادها؛ "زمن التوجيه ولى، وسنرد بحزم إن حاولتم التدخل في شؤوننا الداخلية!".

في العموم، عاشت تركيا وألمانيا 10 محطات توتر فقط خلال فترة النصف الأخير من عام 2016 والنصف الأول من عام 2017، وفي ظل ملامح الخلاف العميق في السياسات المتبعة من قبل الطرفين حيال عدة ملفات، يبدو أن هذه المحطات ستكون في زيادة.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس