أحمد جلال - خاص ترك برس

لا شك أن شعوب العالم الإسلامي تتألم وتحزن كثيرًا عندما ترى أن بلدانها وحكامها يخضعون لضغوط دولية كبيرة من أطراف كثيرة فى المجتمع الدولى وبخاصة من الدول الكبرى، وأن دول العالم الإسلامي دائمًا في موقف الطرف المفعول به وليست فى موقف الطرف الفاعل فى النظام العالمي الجديد، وحتى تستطيع دولنا الإسلامية أن تكون فى موقف قوي يلزم لنا أن نبحث فى أسباب ذلك الضعف والوهن والفرقة والخلافات فيما بينها حتى نتمكن من إيجاد الحل والعلاج المناسب والناجع لهذة القضايا الخطيرة والهامة والتي تؤثر بالسلب على الدول والشعوب الإسلامية فيما يلي:

أولًا: العلاقات الإسلامية وأسباب الانقسامات والخلافات ودورها فى إضعاف الأمة

أن مراجعة علاقة الدول الإسلامية بعضها بالبعض الآخر توضح تكريس خضوع هذة الدول لسيطرة الدول الكبرى، وأن حصولها على الاستقلال لم يغير كثيرًا من هيكل التفاعل بينها كما كان فى وضع الاستعمار، ففي أعقاب الاستقلال لم يكن للدول الإسلامية وزن دولي لأن وزن هذه الدول في وحدتها. وبالتالي لم يكن من الممكن أن تكون لدولة واحدة فيها الوزن المؤثر فى المحيط الدولي الذي يمكن أن تتمتع به الكتل الكبرى.

فبالرغم من وحدة العقيدة بين الدول الإسلامية إلا أن مراجعة الخصائص الجغرافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذه الدول توضح اختلافات كثيرة بين هذه الدول، ولم يكن لوحدة العقيدة دور في تخطي الآثار السلبية التى نتجت عن مثل هذة الاختلافات التي انعكست فى نشأة العديد من الصراعات بينها. فإن مراجعة الموقع الجغرافي لهذه الدول توضح وجود عاملين كان من شأنهما دعم الانقسامات بين الدول الإسلامية، أولها الامتداد الهائل لهذة الدول، وثانيهما التجاور الجغرافي بين الدول الإسلامية. وأدى ذلك لاختلاف نشاطها الاقتصادي والتركيبة الاجتماعية وضعف خطوط المواصلات فى هذة الدول، فضلًا عن وجود أقاليم صحراوية واسعة فى الدول الإسلامية غالبًا ما ترتب علية عقبة أمام خضوع هذه الدول لسلطة مركزية واحدة.

كذلك توضح مراجعة الموقع الجغرافي للدول الإسلامية أن هذه الدول دول متجاورة، فباستثناء بنغلاديش وجمهورية القمر وجمهورية مالديف نجد أن كل الدول الإسلامية لها حدود مع دول إسلامية أخرى، وبالرغم من أن التجاور الجغرافي قد يكون مصدرًا للتكامل الإقليمى بين الدول، إلا أنه فى ظل ضعف الدول الإسلامية وخضوعها للدول الكبرى فإن عامل التجاور الجغرافي يعتبر عامل من عوامل الصراع بين هذه الدول ومنها مشكلات الحدود.

كما أن تعدد القوميات العربية والكردية والفارسية والطورانية والتركية وغيرها من القوميات، كما أن من الناحية العرقية نجد أن جذور بعض الدول ترجع إلى السلالة القوقازية وأخرى إلى السلالة المغولية وثالثة الزنجية، كذلك اختلاف الانتماءات المذهبية فبينما ينتشر المذهب الشيعي فى إيران والعراق نجد أن السنة تمثل الأغلبية في الدول الإسلامية الأخرى.

أما من حيث القيم السياسية فبينما تبنت بعض الدول التوجة الاشتراكي نجد أن البعض الآخر تبنى توجهًا رأسماليًا واتجع فريق ثالث إلى العمل على الجمع بين التيارات المختلفة، بينما اتجة فريق رابع إلى تغيير توجهاتة السياسية من الرأسمالية إلى الاشتراكية فالرأسمالية مرة ثالثة وفق الظروف الاقتصادية والدولية والتي مرت بها الدولة، كذلك تختلف الدول الإسلامية من حيث نظمها السياسية فبينما تتبنى بعض الدول الإسلامية النظام الجمهوري، ما زال البعض الآخر يتبنى النظام الملكي، وفريق ثالث يتبع نظام السلطنة.

تختلف الدول الإسلامية أيضًا في نظامها الحزبي، فبينما تتبنى بعض الدول نظام الحزب الواحد يتبع البعض الآخر نظام تعدد الأحزاب، ولا يعترف فريق ثالث بوجود أحزاب سياسية. ولقد كان لهذع الاختلافات السياسية انعكاسات سلبية انعكست فى اندلاع العديد من الصراعات بين هذة الدول كتلك التى نشأت بين الدول العربية.

كذلك تختلف الدول الإسلامية من حيث مستواها الاقتصادي فبينما تعد الدول الإسلامية من دول العالم الثالث أي الدول النامية إلا أنها تختلف من حيث متوسط الدخل فيها، فبينما يزيد متوسط الدخل الفردي فى بعض هذه الدول عن 50000 دولار سنويًا فى الدول المصدرة للبترول، نجد أن متوسط الدخل فى بعض الدول الأخرى يتراوح بين 10000 – 20000 دولار سنويًا ومن ذلك الغابون والجزائر والعراق وتركيا، وهناك مجموعة ثالثة من الدول يتراوح متوسط الدخل الفردي فيها ما بين 5000 – 10000 دولار سنويًا ومنها نيجيريا ومصر وتونس، وهناك مجموعة رابعة من هذه الدول يقل فيها متوسط الدخل الفردي عن 1500 دولار سنويا ومنها الصومال والسنغال وجزر القمر، وأن هذة الاختلافات تؤثر على الحد من احتمالات التعاون الاقتصادى بين هذه الدول.

هناك دور هام للاختلافات والانقسامات وللخلافات الإسلامية الإسلامية في إضعاف الأمة ويجب علينا نحن المسلمين الاعتراف بوجود هذة المشكلات بدلًا من غض البصر عنها ودفن الرأس في الرمال أو عدم الاعتراف أصلًا بوجود هذه الخلافات بين الأشقاء المسلمين حتى نجد الحلول الجذرية لها بما يدعم من إمكانيات التضامن الإسلامي الإسلامي، وتحد من نشوء حروب بين طرف إسلامي وآخر أو تؤدي لضعف التعاون بين الدول الإسلامية.

ثانياً: التحالفات وأثرها فى ضعف وتقوية الأمة

إن دور المصلحة والموازنة بين الكاسب والخسائر والغرض من بناء التحالف للدولة المتحالفة يعتبر ذا أهمية كبرى فى تأثيرة على وضع الدول الأسلامية فالتحالف بين طرف إسلامى وطرف غير إسلامى ضد طرف إسلامى آخر وأصدق مثال على ذلك تحالف الدولة العباسية مع الفرنجة ضد الدولة الأموية فى الأندلس والذى أدى لسقوطها المريع والدامى ومازالت آثارة السلبية مستمرة حتى اليوم على الأمة الإسلامية، أو وجود تحالف إسلامى وآخر غير إسلامى من موقف ضعف وليس من موقف قوة يضعف الأمة الإسلامية على المدى الطويل.

كما تبين بالدليل القاطع أن التحالفات الاسلامية – غير الاسلامية فى مواجهة طرف اسلامى ذات محصلة سلبية فى مجموعها ضد مصالح الأمة ومآلها إلى الفشل دائماً.

فهناك فرق بين أن تكون تابعاً فى تحالف أو متبوعاً، فالدولة القوية تكون طرفاً فى توجية التوازنات بينما الدولة الضعيفة تكون هى موضوع لهذة التوازنات، كما أنة بلا جدال أن التعاون والتحالف الاسلامى الاسلامى لة دور عظيم فى تقوية الأمة.

مثال لذلك نجاح الإمبراطورية العثمانية فى بقائها واستمرارها كإمبراطورية – بالرغم من ضعفها خلال القرنين الأخيرين من عمرها بسبب لعبة التحالفات والتحالفات المضادة التى إنتهجتها بين القوى الكبرى غير الاسلامية – وهى اللعبة التى لم تحدد قوتها بقدر ما أخرت سقوطها. 

ثالثاً: مدى إستقرار الجبهة الداخلية وعلو الجانب العقيدى والإقتصادى والتجارى والعسكرى والعددى ودورها فى تقوية الأمة

إن مراجعة التاريخ الإسلامى توضح أن إزدهار وتدهور الدولة الكبرى تحدد بعدد من العوامل الرئيسية وهى العقيدة ومدى استقرار الجبهة الداخلية، والقدرات العسكرية ووضع المركز فى هيكل الاقتصاد العالمى وطبيعة العلاقة داخل النسق الفرعى الاسلامى وقوة وضعف الخصم وتدخل الخصم فى الشئون الداخلية للطرف الاسلامى والحروب كنقاط للتحول فى تاريخ الدول.

إن إستقرار الجبهة الداخلية يعد أحد العوامل الهامة فى تحديد قوة الطرف الإسلامى فى تفاعلة مع الأطراف غير الإسلامية، فبدون وجود دولة قوية على صعيد الجبهة الداخلية أى متماسكة داخلياً لايمكن أن تتقدم وتتطور إقتصادياً وتجارياً وصناعياً وعسكرياً وعددياً ولايمكنها فرض سياسة التعايش السلمى، فالمسلمين ينهزمون من الداخل قبل أن ينهزموا من الخارج، فخلافاتهم الداخلية تحد من قدرتهم على مواجهة الأخطار الخارجية.

فالملاحظ إن المحصلة النهائية للصراع بين القوى الإسلامية أضعفت من الدور الإسلامى فى توجية التفاعلات الدولية فى مراحل محددة وبصورة تراكمية حتى الآن.

ومن ناحية أخرى فإن للعامل العقيدى دور هام ويمارس تأثيرة على عدة مستويات وهى مستوى إيمان وحماسة وتماسك القاعدة التى تمثل عنصراً من عناصر قوة الدولة كما توفرة من تعبئة ودوافع، ومستوى تحديد وظيفة الدولة والمحرك لسياساتها، ومستوى تماسك الجبهة الداخلية فى ظل قيم العدالة والحرية والمساواة.

فمن الواضح أن قوة العامل العقيدى يؤدى إلى قوة على الصعيد المادى وتراجع العامل العقيدى يؤدى إلى تراجع على الصعيد المادى وعلى العلاقات مع الآخر.

إن المحصلة النهائية للصراع بين القوى الإسلامية أضعفت من الدور الإسلامى فى توجية التفاعلات الدولية فى مراحل محددة من التاريخ أو بصورة تراكمية على مدار تطورة وحتى وصل الأمر إلى سيادة نمط التجزئة والإنقسام والتعددية المفرطة فى وقت تغلبت فية فى المقابل هيمنة وتفوق دور الطرف الآخر. ولكن على المدى الطويل ومن خلال الرؤية الكلية الشاملة للتاريخ الإسلامى يمكن القول إن توالى الأجناس المسلمة (العرب – الفرس – الترك) على قيادة المسلمين ومواجهة الخصم كان فى مجموعة لصالح خدمة الإسلام ولصالح الأمة وإستعفائها ونهوضها بعد كل مراحل الخبو وبالرغم من ضخامة مصادر التحدى. بحيث يمكن القول إن ضعف الدور القيادى لطرف مسلم كلة يعوضة نمو دور طرف آخر ولو فى محور جغرافى مختلف وفى مواجهة خصم آخر.

لقد تمتعت الدول الإسلامية بمركز متميز فى ظل تمسكها بالعقيدة الإسلامية وإستقرار الجبهة الداخلية وتنمية قدراتها العسكرية وإحتلالها مركز متميز فى هيكل النظام العالمى ومناصرة الأطراف الإسلامية بعضها لبعض وعدم تدخل القوى الخارجية فى شئونها إلا أنها تتعرض للتدهور فى ظل إنتفاء مثل هذة العوامل.

التمسك بالعقيدة والتعاون بين الأطراف الإسلامية يعتبر أحد العوامل الأساسية التى يترتب عليها إزدهار هذا الطرف وإذا كان ضعف العقيدة والصراعات بين القوى الإسلامية من العوامل الهامة التى تساهم فى تدهور وضعها فى النظام الدولى فإن إستمرار ضعف العقيدة كأحد الأبعاد المحددة لسلوك القوى الإسلامية والصراع فيما بين هذة القوى يعد من العوامل الهامة التى تؤثر سلباً على إحنمالات إنتقال هذة القوى لمركز أفضل فى النظام العالمى. أو بعبارة أخرى فإن التمسك بالعقيدة والتضامن الإسلامى هما بمثابة مدخل هام يمكن من خلالة تقليل صعوبة موقف التأثير الذى يواجة الأمة الإسلامية فى النظام العالمى الجديد، كما وأن مثل هذا السلوك يزيد من مصداقية قدرة الدول الإسلامية فى إستخدام التهديد للربط بين مصالح القوى الأخرى فى النظام العالمى وتبنيها لسلوك أكثر إتساقاً مع مصالح الدول الإسلامية.

ومما لاشك فية أن دور القوة العسكرية والعددية، والتفوق الصناعى والتجارى الذاتى لة دور مفصلى وحيوى وهام فى نجاح الدولة فى إنشاء والدخول فى تحالفات ناجحة تعظم من مكاسبها وتحد من خسائرها لما للدور الهام للتحالفات فى وقف الحروب خاصة عندما تكون الدول الإسلامية فى موقف قوة وليس فى موقف ضعف، ويعتبر توظيف التعامل التجارى الاقتصادى عامل قوة ودعم عندما تكون الدولة قوية وكيف يكون مصدر ضعف عندما تكون الدولة ضعيفة.

أن تحقيق التضامن وبالتالى تحسين وضع الدول الإسلامية فى النظام العالمى يتوقف على أن يكون هناك توافق فى القيم والمصالح بين كل دولة إسلامية وبقية العالم الإسلامى، وأن تؤمن قيادات العالم الإسلامى بأن دور كل دولة يتحدد بالإضافة إلى عناصر قوتها بتعاونها مع الأطراف الإسلامية الأخرى، وأن تؤمن كل دولة بأنة لابديل لها إذا أرادت تحسين وضعها فى النظام العالمى الجديد من أن تواصل عملية بناء إرادة جماعية إسلامية من حولها. أما إذا إنتفت مثل هذة الشروط فمن الصعوبة بمكان الحديث عن تضامن إسلامى يترتب علية زيادة قوة الدول الإسلامية على نحو يمكنها من التأثير فى سلوك القوى الأخرى لتحتل مركزاً أفضل فى هيكل النظام العالمى الجديد.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس