أحمد جلال - خاص ترك برس

ألا يحق للدول الإسلامية أن تتحد تحت راية واحدة أيًا تكون ماهيتها سواء على غرار الاتحاد الأوروبي أو حتى الاتحاد الأفريقي على سبيل المثال، على الأقل فى الوقت الذى يتجه فيه الغرب والصليبية العالمية إلى القضاء على كل ماهو إسلامي فى بلداننا الإسلامية؟! للأسف إن أغلب الكتاب والمستشرقين المعاصرين ممن كتبوا عن النظام العالمي الإسلامي العثمانى كآخر اتحاد بين الدول الإسلامية، لم يظهروا إلا مساوئ المائة سنة الأخيرة منة وهي مرحلة التردي والضعف، وتعمدوا تجاهل أن العالمية الإسلامية العثمانية فى أوج قوتها وعنفوانها قد صدت هجمات الغرب العسكرية طوال ما يزيد عن خمسة قرون.

إن جوهر النظام السياسي الإسلامي منذ وفاة النبي صّلى اللّه عليه وسلم هى العالمية الإسلامية حيث أن العالمية الإسلامية "الخلافة" هي "ايديولوجية الإسلام" فلنقف هنا لنتأمل ماحدث من تقهقر عن النظام المثالي الذي تحقق في عصر الخلافة الراشدة في القرون المفصلة الأولى، وظل يتحقق بصورة أو بأخرى مع الوهن والضعف والمساوئ، ولكن كان محققًا لوحدة المسلمين فى أحلك العصور التاريخية وظلت قلوب المسلمين متعلقة بة محافظة عليه حتى أرغمت بالقوة على التخلي عنه وأخذت تطبق النظم الأوروبية الشرقية والغربية فى وقت بدأت فية أوروبا تطور نظمها إلى الأحسن حتى اهتدت إلى تحقيق الوحدة كما نراها الآن متمثلة فى الاتحاد الأوروبي.

إننا لو حققنا ذلك لا نكون مقلدين، بل نعبر عن انتفاضة صحية تعلو بنا وبواقعنا المتردى إلى مصاف الدول الكبرى، لتؤكد الذاتية الأصيلة لأمتنا من جديد، حيث حرمت قسرًا من نظامها الذى وحدها طوال تاريخها المجيد. إن حتمية نظام العالمية الإسلامية للأمة الإسلامية إن أراد المسلمون العودة إلى الكرامة والسؤدد والنفوذ العالمي والمكانة الدولية المهابة من جديد. وكانت (كارثة) إلغاء العالمية الإسلامية كما أثبتت الأيام هي التمهيد الحقيقي لإنشاء إسرائيل وضياع القدس – مسرى رسول اللّه صّلى اللّه عليه وسلم وبها ثالث المساجد التى لا يشد الرحال إلا إليها – دون مساجد الأرض جميعًا، وكأن الرسول صّلى اللّه عليه وسلم رسم لنا الحدود الآمنة لدولة الإسلام التي ينبغي المحافظة عليها ليصبح المسلمون فى مأمن من المخاطر وإلا أصبح وجودهم في خطر كما هو الآن!!.

 إننا إذا استعرضنا ما خاضة المسلمون من تجارب فاشلة بعدما تم إلغاء العالمية الإسلامية العثمانية فماذا حققوا؟!، سوى الخوض فى تجارب طاحنة ذهب ضحيتها الملايين، وذاقت خلالها الأمة الإسلامية المذلة والهوان، وتخلفت فأًلحقت بذيل الأمم بعد أن كانت فى المقدمة، وإذا بحثنا فى صور الإخفاق المتعددة على إثر محاولاتنا إقامة البنيان الإجتماعي والسياسي والاقتصادي وفق النموذج الغربي، وبعد أن منينا بالهزائم العسكرية والسياسية وأصابنا التدهور الاقتصادي، وفجعتنا حقائق النكوص العلمي والأخلاقي، واستيقظنا على حقيقة نظرة الغرب لنا بشطرية الغربي والشرقي كفريسة تريد التهامنا، وتجلى ذلك فى القضاء على الثورات العربية بالقوة، بعد هذا كلة أصبح على رواد الفكر إعادة تفسيراتهم أمام هذة النتائج المشاهدة:

1- الفشل فى التقليد، وهذا يعني أن لنا أصولًا حضارية أخرى.

2- أزمات الحضارة الغربية وإخفاق النظريات فى مجال التطبيق، وظهور حركات جديدة بين شبابها تعبر عن أزمة إنسانية وأخلاقية حيث عجز الفلاسفة والقادة عن إيجاد العلاج لها.

ولا يصح النظر إلى هذة الأزمات على أنها تعبر عن فترات مؤقتة، أو أنها ظواهر عابرة، وذلك لسبب بسيط، وهو اعتراف مشاهير فلاسفتهم وعلمائهم أنفسهم بعمق هذة الأزمات وخطورة آثارها، وإنذارهم لبنى قومهم بما ينتظرهم من كوارث الانهيار.

إن التجربة الكمالية نسبة إلى كمال أتاتورك المضادة لحركة التاريخ الإسلامي تصلح بذاتها كمعيار منهجي نقيس به التغييرات التي حدثت فى العالم الإسلامي كله عقب إسقاط العالمية الإسلامية على يديه ووراءه أوروبا والمخطط اليهودي الصليبي وشق الطريق نحو الغرب وكان خط الارتقاء والتطور الطبيعي يقتضي المحافظة على الذاتية الإسلامية وملاحقة خطوات التطورات العلمية كما فعلت اليابان مثلًا.

لقد نجح الاستعمار بنوعية الشرقي والغربي في تفتيتة الجسد الواحد وحولة إلى دول ودويلات لكل منها حاكم وعلم ونشيد وحدود جغرافية مصطنعة، وغزاها بأفكار القومية والوطنية، وبالرغم من ذلك أقول إنه يمكن للدول الإسلامية أن تتحد حتى وهي على هذا الشكل وحتى إذا ما زادوا فى التقسيم والتفتيت والتجزئة وبالرغم من كل ما سبق، إذا وجدت النية الصادقة لإنقاذ الأمة والشعوب الإسلامية من الهلاك.

ولا ننسى أن الذين جردوا حكومات الدول الإسلامية من الدين بحجة فصل الدين عن السياسة تخفيفًا لخطره وسوء تأثيره فى سمع الأمة المتدينة، فهم يتوسلون إلى القضاء على دين الحكومات الإسلامية بأن يعبروا عن هذا القضاء بالفصل بين الدين والسياسة، ثم يتوسلون بالقضاء على دين الحكومة إلى القضاء على دين الأمة كلها كما هو حادث ويحدث الآن بشراسة من حرب شعواء من أجل القضاء على الإسلام والمسلمين، فمتى يتحقق اتحاد إسلام؟! لقد أضحى ضرورة جدية ومسألة حياة أو موت لإنقاذ الإسلام والمسلمين من الهلاك لا قدر اللّه، اللّهم بلغت اللّهم فاشهد.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس