إسماعيل ياشا - عربي 21

الكاتب التركي حمزة تركمان يقول إنه "لن تكون هناك تركيا جديدة دون إلغاء القانون الذي ينص على تقديس أتاتورك ويصادر حرية التعبير". وفي ظل الانتشار الواسع لصور أتاتورك وتماثيله من أقصى تركيا إلى أقصاها في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والميادين العامة وحتى الأسواق، والاحتفال الرسمي لكل ما يمت له بصلة، يتفق كثير من المثقفين الإسلاميين والليبراليين مع ما يقوله الكاتب تركمان.

"تركيا الجديدة" هدف مستقبلي وضعته القيادة التركية أمام المواطنين ولكن الوصول إليه ليس بالسهل، بل الطريق طويل وشاق وبحاجة إلى كثير من المشاريع والإصلاحات والوعي وتغيير المفاهيم والقوانين والدستور. ومن الصعب أن نقول إن تركيا القديمة أصبحت تماما من الماضي وأننا نعيش الآن في تركيا الجديدة، ولكنه ليس من العدل والإنصاف أن نقول إن تركيا اليوم هي بالضبط تركيا الأمس ولم يتغير أي شيء نحو الأفضل.

"قانون حماية أتاتورك" الذي يشير إليه تركمان، صدر في 31 يوليو/ تموز 1951 بناء على طلب حكومة الحزب الديمقراطي برئاسة عدنان مندريس، بعد أن كثرت أعمال التخريب التي تستهدف صور أتاتورك وتماثيله بشكل لافت. وينص القانون على معاقبة من يسب أتاتورك أو يسيء إليه بالسجن لمدة تتراوح بين عام وثلاثة أعوام، ومعاقبة من يقوم بتخريب صور أتاتورك أو تماثيله بالسجن لمدة تتراوح بين عام وخمسة أعوام، ومعاقبة كل من يحرِّض على هذه الأعمال مثل معاقبة من يقوم بها.

هذا القانون ما زال موجودا، إلا أن تطبيقه اليوم ليس كتطبيقه في السابق، ولم يعد سيفا مسلطا على كل من يبدي رأيه في أتاتورك وأقواله وأفعاله. وعلى سبيل المثال، قالت طالبة محجبة في برنامج تلفزيونية في يونيو/ حزيران 2008 إنها لا تحب أتاتورك ولكنها تحب الخميني وتحترمه. وتقدم أحدهم إلى النيابة العامة بشكوى لرفع قضية ضدها بتهمة الإساءة إلى أتاتورك ومحاكمتها وفق “قانون حماية أتاتورك” إلا أن النائب العام رفض الشكوى مؤكدا أن الطالبة لم تسئ إلى أتاتورك، وأن الحب من أعمال القلوب وأن عدم حب أتاتورك لا يعد جريمة.

كان طلبة المدارس الابتدائية في تركيا يرددون كل صباح منذ عام 1933 ما يسمى "القسم الوطني" ويتعهدون بأنهم سوف يسيرون على الطريق الذي فتحه لهم أتاتورك. وألغت الحكومة التركية، العام الماضي، هذا القسم الذي كان يزرع بذور العنصرية، ضمن حزمة من الإصلاحات الديمقراطية.

نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينتش قال قبل أيام في حفل للشراكسة أقيم في مدينة بورصة، إن أدهم الشركسي، أحد قادة القوات الوطنية أيام حرب الاستقلال، لم يكن خائنا للوطن، بل كان رجلا أصيلا يتمتع بالأخلاق الشركسية وأعطى كل ما لديه في حرب الاستقلال. وكان أتاتورك أعلن بعد نهاية حرب الاستقلال أن أدهم الشركسي الذي رفض الانضمام إلى الجيش النظامي وقاتله خائن للوطن.

 والشاهد أن مثل هذه التصريحات والتطورات لم تكن ممكنة قبل الإصلاحات التي حققتها تركيا خلال أكثر من عشر سنوات.

منظمة "مراسلون بلا حدود" أعلنت في عام 2010 أن “قانون حماية أتاتورك” يتعارض مع معايير الاتحاد الأوروبي التي تضمن حرية التعبير. ويتفق كثير من الكتاب والمثقفين مع المنظمة في هذا الرأي. وعلى الرغم من التخفيف والمرونة في تطبيقه، فمن الأفضل أن يتم إلغاؤه، لأنه قد يأتي من يستغله مجددا للتضييق على الآراء.

يوم الإثنين الماضي كانت الذكرى السادسة والسبعين لوفاة مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، وشهدت العاصمة أنقرة والمدن التركية الأخرى مراسم رسمية لا يمكن أن نرى نظيرها إلا في دول استبدادية مثل كوريا الشمالية. وهذه المراسم تتكرر في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، ويتجدد معها النقاش حول أتاتورك وأقواله وأفعاله ومدى حاجة البلد إلى مثل هذه المراسم. وخلال السنوات الأخيرة أضيف إلى ذلك نشر دعايات تحمل عبارات تدل على التأليه – والعياذ بالله – على غرار "لو لم تكن أنت لما كنا نحن" وتعبير أطراف علمانية عن انزعاجها مما وصلت إليه الأحوال في البلد في غياب أتاتورك.

اليوم، هناك مساحة أوسع للنقاش حول أتاتورك وما قام به، وحبه للمشروبات الكحولية وخاصة "الراكي التركي"، وزوجته وعشيقاته وأقواله المعادية للإسلام وغير ذلك، إلا أن الإرث الثقيل الذي خلَّفه لا يمكن إزالته بسهولة، وما زال كثير من العلمانيين يرون أن أتاتورك أفضل إنسان وأفضل قائد عسكري وأفضل زعيم سياسي وأفضل اقتصادي والأفضل في كل شيء.

وليس من المتوقع أن تكون إزالة آثار أتاتورك ضمن أولويات الحكومة، إلا أن الانشغال ببناء تركيا جديدة على أسس سليمة سيكون كفيلا بلا شك على أن تتحول تلك الآثار إلى صفحة من الماضي.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس