صلاح الدين العواودة - خاص ترك برس

ليس من باب الايمان بنظرية المؤامرة ولا من باب الهروب من المسؤولية بالقاء اللوم دائماً على الشيطان في كل اخفاقٍ لنا او تقصير او نزوة او فشل؛ وانما لأسباب موضوعية وموضوعية جداً وكبيرة فإسرائيل هي بيضة القبان في كل الصراعات وكل الاصطفافات العربية والاقليمية والدولية .

فمنذ الصراع مع الشيوعية فترة الحرب الباردة كانت اسرائيل ورغم فكر قيادتها الاشتراكي اليساري في تلك الفترة تقف في معسكر الغرب الرأسمالي وحلفائه من الأنظمة العربية (العلمانية) ليس لشئٍ سوى لأن المعسكر الشيوعي دعم الثورة الفلسطينية وحركات التحرر ضد الإستعمار الغربي الرأسمالي وعلى رأسها الفلسطينية منها . وفي ذلك الوقت حصلت بعض الانقلابات العسكرية في بعض البلاد العربية فأطاحت بالأنظمة الموالية للغرب وتبنت فكراً اشتراكياً يسارياً ودعمت هذه الانظمة الجديدة الثورة الفلسطينية وعلى راسها النظام المصري الناصري.

في تلك الفترة لم يتحدث أحد من الدول العربية الخليجية عن التطرف او الارهاب الاسلامي وانما كان الحديث عن الارهاب الشيوعي في حين رفعت هذه أول شعار( الدفاع عن الإسلام) لأن التظيمات الشيوعية هي التي كانت تقاوم الاحتلال ، وأما الحركات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمين التي لم تكن تشترك في المقاومة الفعلية للاحتلال فلم تكن تعني كثيراً الدول الموالية للغرب بل واعطتها مساحةً من الحرية للعمل لموازنة المد الشيوعي ومواجهة (الإرهاب الشيوعي )أي المقاومة.

أما الأنظمة اليسارية فاتخذت من التنظيمات الاسلامية عدواً لها لأنها تتناقض مع فكرها اليساري الاشتراكي من جهة ولأنها كانت المعارضة السياسية الوحيدة لها في ظل انظمة حكم شمولية احادية الحزب والايدلوجيا وكان كل من يتجرأ على معارضة هذه الأنظمة يتهم مباشرة بالعمالة لإسرائيل وللإستعمار حتى لو كان شيوعيا رغم أن جميعهم او من بقي من هذه الأنظمة اصطف في النهاية الى جانب اسرائيل ضد هذه الحركات الإسلامية وأصبح يرى بها خطراً عليه وعلى اسرائيل وعلى كل العالم لسان حال ومقال السيسي وبشار الأسد.

اما عن أزمات اليوم فبدءً من الثورة المصرية والتونسية حيث سقط رئيسان كانا عمودين من اعمدة الاعتدال (معسكر التسوية) لم تبد اسرائيل موقفاً في البداية من الثورات ولكن ما أن بدأت الثورات بالتحول لانتخابات ديموقراطية وبدا واضحاً لاسرائيل ان التيار الاسلامي هو الصاعد وهو البديل للأنظمة المتساقطة بدأت ردود الفعل بالاختلالف وبدأت التصريحات تتوالى على ضرورة مواجهة الربيع العربي الذي قالت عنه اسرائيل بعد فوز الإخوان في الانتخابات لقد تحول الى خريفٍ اسلامي.

ولم يكن الموقف الاسرائيلي الأ لعلمهم ان التيار الاسلامي هو الذي اصبح تيار المقاومة والذي مثلته حماس وهو التيار الوحيد في المنطقة الذي ظل رافضاً للتطبيع وللوجود الصهيوني وتجلى ذلك في حرب 2012 على غزة وموقف الرئيس المصري من الحرب وسبقه مواقف رئيس الوزراء التركي آنذاك من الحرب على غزة عام 2008 وفي مؤتمر دافوس ثم ما ترتب على الهجوم على اسطول مرمرة.

كانت حرب 2012 اكثر حادثةً فارقة بالنسبة لمستقبل الربيع العربي حيث بدأ العمل بكثافة لتغيير النظام في مصر وبكل ثمن ولم تدخر اسرائيل جهداً في التحريض على مرسي بل وأقامت وحدات خاصة لسلاح الاستخبارات وظيفتها شبكات التواصل الاجتماعي في مصر، ثم لم تدخر جهداً في دعم السيسي بعد الانقلاب في تموز 2013.وتدريجياً اتضح الموقف الاسرائيل واصبحت العلاقة الحميمة بين اسرائيل ونظام السيسي اشهر من أن تعرف ووصلت الأمور الى حربٍ بالوكالة تخوضها قوات السيسي في سيناء لصالح اسرائيل لتمنع الامدادات للمقاومة في قطاع غزة اضافة لحربٍ تدميرية على ما يعرف بالجماعات المسلحة هناك بعد ان اطلقت عدة صواريخ من سيناء على ايلات.

وكان ابرز ملف والأزمة الأبرز هي الازمة السورية حيث تهلل وجه اسرائيل لامكانية سقوط نظام الأسد احد حلفاء المقاومة المركزيين ورغم اعترافها العلني بفضل النظام السوري بالحفاظ على الهدوء في الجولان اكثر من أربعين عاماً الّا ان احتمال تفكك محور ايران حزب الله أغراها لتبدي سعادتها بالثورة السورية ولكن ما ان بدأت الثورة السورية تتحول اكثر الى احزاب وحركات سياسية ثم فصائل مسلحة بحثت اسرائيل عن حليفٍ لها لتراهن عليه من بينها فلم تجد سوى بعض الافراد الذين لا يمثلون الا انفسهم اما الفصائل فظهر لاسرائيل انها اكثر كرهاً لها من النظام الذي حفظ لها الامن اربعين سنة ، وهنا بدأ مأزق الثورة السورية حيث سيشكل انتصار الثورة السورية نظاما اسلاميا سنيا على شاكلة حماس ومرسي وهو الكابوس الاسوأ من بين كوابيسها، كما يشكل انتصار النظام السوري وحلفاؤه ايران وحزب الله خطراً استراتيجياً لا يقل سوءاً فتقرر استمرار القتال الى ما لا نهاية وحتى انظمة الخليج العربي التي دعمت الثوار في البداية تراجعت عن الدعم واخذت موقفاً معادياً للثورة اكثر حتى من موقف ايران ومعسكرها باستثناء قطر وهو ما تعتبره السعودية والامارات تهمةً يحاربان قطر بسببها اليوم.

اما في تونس فنجح حلف الاعتدال والتسوية والتطبيع بابعاد التيار الاسلامي ممثلاً بالنهضة عبر الانتخابات مما جعل الازمة هناك تبقى في الاطار السياسي وخصوصاً بسبب السياسات التصالحية والمهادنة لقيادة حركة النهضة التونسية التي سحبت كثير من فتائل الانفجار

وفي ليبيا لم تستقر الامور للإسلاميين حتى بدأ الدعم لتمردات على شاكلة حفتر المدعوم من مصر والامارات بهدف الاطاحة باي خيار اسلامي يضع ليبيا في محور مقاومة الاحتلال وستظل ليبيا تدفع ثمن هذا الخيار الى اجل مجهول .
وما اليمن السعيد عنا ببعيد حيث كان واضحاً للجميع ان الكاسب في الثورة اليمنية هو حزب الاصلاح الاسلامي امتداد الاخوان المسلمين هناك وهو ما يعني حليفاً جديداً للمقاومة الاسلامية ليس اقل من مرسي وعلى باب المندب الممر الحيوي للاسلحة للمقاومة كما لاسراائيل، ولكن ما ميز اليمن ان السعودية والامارات وكما في سوريا لم تجد حليفاً تدعمه ينتمي لتيار الاعتدال والتطبيع رغم احتضانها لصالح بعد الثورة فدخلت اليمن نفس الحالة السورية تماماً وهي المعسكر الحوثي الموالي لايران محور المقاومة ومعسكر الاخوان المسلمين الداعم لحماس.عندها تقرر الدخول الى اليمن في حربٍ مباشرة لأنه لا يوجد في اليمن من يحارب باسم اسرائيل مثل حفتر في ليبيا ولم يقبل الاصلاح بالحرب ضد الحوثيين وصالح لطحن اليمن خدمةٍ لايران من جهة أو اسرائيل من جهة أخرى فأراد الاصلاح ان يجنب اليمن مصير سوريا ويبدو أنها ستدوم الحرب في اليمن الى ان تظهر قوة يمنية مستعدة للتعايش مع اسرائيل عندها ستنتصر وتنتهي الحرب.

أما حصار قطاع غزة فلا حاجة للشهود فحصار العرب عليها أشد من حصار إسرائيل في حين أن غزة لم تذنب إلا أن قاومت الاحتلال كما أن كلمة سر الإنقسام الفلسطيني هي الموقف من الاحتلال فحركة حماس قدمت كل شيء في سبيل المصالحة في القاهرة وفي مكة وفي الدوحة وفي الشاطئ بل وقبلت دولة في حدود 1967 ولكن رفضها الاعتراف بإسرائيل والتخلي عن المقاومة ترك كل اتفاقيات المصالحة رهن الفيتو الإسرائيلي.

وعلى هذا المنوال وبعد التصريحات والتي أعقبت التسريبات فإن سبب الحملة الأول والأساس على قطر هو إسرائيل وإسرائيل فقط فالمقاومة الفلسطينية وحماس لم تعتد يوما على عربي فضلا عن الخليجيين ولكنها ظلت شوكة في حلق الاحتلال الذي تواترت تصريحاته قطعية الثبوت قطعية الدلالة أن معسكر الاعتدال العربي قد تبنى الرؤية الإسرائيلية تماما في تحديد الأعداء والأصدقاء فإسرائيل والولايات المتحدة هي الصديق والمقاومة والحركات الإسلامية السنية وإيران وحلفها هم العدو وما نقموا من إيران إلا أن دعمت المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

أعلى النموذج

عن الكاتب

صلاح الدين العواودة

كاتب فلسطيني خبير في الشؤون الاسرائيلية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس