متين غورجان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

تشن قوات الأمن التركية عمليات مكثفة ضد حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) منذ آذار/ مارس فى جنوب شرق تركيا، وخاصة على امتداد الحدود مع العراق بين بلدتي سيلوبي وشيمدينلي وفى منطقة بحيرة وان على الحدود الإيرانية.

ويمكن تعريف العمليات بأنها استراتيجية "منطقة محرمة - ابحث ودمر"، بهدف تحييد مقاتلي حزب العمال الكردستاني قبل أن يتمكنوا من استكمال تحركهم التكتيكي بإعادة انتشارهم في الصيف والشتاء. أما في فصل الشتاء فغالبا ما يلجأ مقاتلو بي كي كي إلى مناطق قنديل الجبلية في العراق، بينما ينتشرون في الصيف في المناطق الداخلية التركية بشكل أسهل، حيث يمكنهم شن الهجمات والانسحاب بسرعة.

وتعد استراتيجية "تحريم المناطق" بالغة الأهمية؛ لأنها تهدف إلى وقف وحدات حزب العمال الكردستاني في مساراتها. واستفادت العمليات العسكرية التركية من مهارات الاستطلاع والمراقبة والتقاط الهدف التي تتمتع بها الكوادر المحترفة في القوات الخاصة في الجيش، ووحدات العمليات الخاصة التابعة للشرطة والدرك من أجل القضاء على أكبر عدد ممكن من مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وبعبارة أخرى، يقاس النجاح بعدد مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين قتلوا.

وبإدخال عقيدة "منطقة محرمة - ابحث ودمر"، استبعد الجيش التركي هدف السيطرة على المناطق الكردية فقط - وهو تكتيك استخدمه بين عامي 2007- 2013 تطلب وجود قواعد دائمة في مناطق مهيمنة، وعند تقاطعات مهمة للحد من حركة حزب العمال الكردستاني. بيد أن هذا التكتيك أسفر عن إصابات جسيمة في صفوف الجيش بسبب هجمات حزب العمال الكردستاني على هذه المواقع الثابتة.

تمكن الجيش التركي من الانتقال من السيطرة على المنطقة السلبية إلى البحث بنشاط عن مقاتلي حزب العمال الكردستاني والقضاء عليهم، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التكنولوجيا العسكرية المستخدمة في عمليات مكافحة الإرهاب خلال العامين الماضيين. يستخدم الجيش الآن أكثر من 50 طائرة بدون طيار تكتيكية مسلحة من طراز بايراقتار TB2 مجهزة بصواريخ موجهة بالليزر من طراز MAM L مع مدى يصل إلى 8 كيلومترات (5 أميال) والذخائر الصغيرة الذكية. يستخدم الجيش في عمليات مكافحة الإرهاب حاليا ست طائرات بدون طيار من طراز أنكا-S ذات نطاقات أطول، وقادرة على التحليق لمدة 24 ساعة، و15 طائرة مروحية هجومية من طراز أتاك.

وقد تمكن الجيش من تقييد حركة حزب العمال الكردستاني بشدة في المنطقة الحدودية وداخل تركيا بتسليح هذه المروحيات بصواريخ بعيدة المدى من طراز أومتاش UMTAS القادرة على أن تضرب بدقة أهدافا على مسافة تصل إلى 8 كيلومترات، وباستخدام القنابل الذكية MK82 وMK 84 وقنابل TEBER الموجهة بالليزر.

وقالت مصادر أمنية لم ترد الكشف عن هويتها لـ "المونيتور" إن تركيا بدأت الأسبوع الماضي استخدام الطائرات المسلحة بدون طيار ضد أهداف لحزب العمال الكردستاني داخل العراق.

فى الشهرين الماضيين اكتشفت قوات الأمن أكثر من مائة كهف فى تركيا يستخدمها حزب العمال الكردستاني كمأوى ولتخزين الإمدادات فى جبل انجيبيل- كاتو فى ضواحي بلدة "بيت الشباب" في محافظة شرناق. وشملت الأسلحة المضبوطة مدافع من عيار 30 مم من طراز AGS-1، وقذائف هاون عيار 120 ملم، وصواريخ مضادة للدروع من نوع ميتس، وإيه تي 4، وصواريخ مضادة للطائرات من نوع إيجلا وصواريخ ستريلا المحمولة على الكتف.

وقال وزير الدفاع، فكري إيشيق، خلال زيارة الأسبوع الماضى للوحدات العسكرية على الحدود التركية العراقية: "إننا نعيش الفترة الأكثر نجاحا فى نضالنا الذي استمر 35 عاما ضد حزب العمال الكردستاني".

وأضاف إيشيق: "في الفترة منذ 23 يوليو/ تموز 2015، تم تحييد أكثر من 10 آلاف و500 إرهابي. وهذا نجاح كبير. وقد أصبحت الجماعة الإرهابية غير قادرة على تنفيذ العمليات. سنكسر عمودها الفقري ونتخذ جميع التدابير للتأكد من أنها لن تهدد هذا البلد مرة أخرى أبدا. كل ما يمكنهم القيام به اليوم هو زرع القنابل على جانب الطريق، أو إطلاق قذائف الهاون  طويلة المدى."

ولم يكن مفاجئا أن وسائل الإعلام التركية، وخاصة المنابر المؤيدة للحكومة، استخدمت عناوين مثل "انتهى حزب العمال الكردستاني" و"تم كسر العمود الفقري لحزب العمال الكردستاني".

إذا قبلنا الرقم الذي ذكره وزير الدفاع لمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين تم تحييدهم على أنه رقم واقعي، يمكننا أن ندعي أن قوات الأمن التركية قد تمكنت من تحييد 88٪ من بين ما يقدر بـ12 ألف مقاتل لحزب العمال الكردستاني في تركيا.

ثم هناك الأبعاد السياسية المحلية لعمليات مكثفة ضد حزب العمال الكردستاني. في الوقت الحاضر، لا تملك أنقرة خيارا عمليا ضد حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا والعراق. الأخبار الوحيدة التي ترضي الجمهور التركي وتزين تقارير وسائل الإعلام  هي التي تأتي من داخل البلاد.

من ناحية أخرى، ما الذي يفعله حزب العمال الكردستاني؟ إنه مستمر في "وضع الصمت الاستراتيجي" داخل تركيا. فبعد أن فقد معظم قدرته على التحرك في جنوب شرق تركيا بسبب عقيدة "منطقة محرمة- ابحث ودمر"، وعجزه عن إعادة انتشاره العسكري بشكل فعال  في فصل الصيف، فإن نشاط الجماعة يقتصر على الهجوم على المواقع الأمنية الثابتة. وفي الوقت الراهن يشن حزب العمال الكردستاني هجمات في نطاق يتراوح بين ثلاثة وخمسة كيلومترات، باستخدام صواريخ مضادة للدبابات من نوع  ميتيس أهداف تركية مثل الدبابات والعربات المدرعة، أو يلجأ إلى تكتيك العربات المفخخة.

ولكنني لا أعتقد أن الوضع الحالي لحزب العمال الكردستاني داخل تركيا وامتناعه عن شن الهجمات في المراكز الحضرية في الغرب هو بسبب افتقاره إلى القدرة، ذلك أنه يركز تفكيره الاستراتيجي الحالي على شمال سوريا. ولأنه مشغول بالمنطقة الكردية في شمال سوريا "روجافا"، فإنه يفضل البقاء في وضع دفاعي داخل تركيا.

إن مسار معركة أنقرة وحزب العمال الكردستاني داخل تركيا مرتبط بالتطورات في شمال سوريا. إن أخطر السيناريوهات التي تتبادر إلى الذهن هو اندلاع اشتباكات منخفضة الكثافة بين قوات الأمن التركية ووحدات حماية الشعب الكردية، وهي امتداد حزب العمال الكردستاني السوري بعد انتزاع الرقة من مقاتلي تنظيم الدولة "داعش". ويمكن أن تتصاعد هذه الاشتباكات لتصبح حربا تقليدية عالية الكثافة باستخدام الدبابات والمدفعية. وبما أن المنطقة تسخن كل يوم، فإن القوة الوحيدة القادرة على منع مثل هذا السيناريو ستكون وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون.

تؤكد تركيا على النضال داخل حدودها، وخاصة في المناطق الريفية الجنوبية الشرقية، لتعويض استبعادها من الجبهة الرئيسية في شمال سوريا. ولا يقتصر الجيش التركي على ردع حزب العمال الكردستاني وتقييد حركته، لكنه يهدف إلى القضاء على قوات الحزب باستخدام استراتيجية "منطقة محرمة -  ابحث ودمر". وبتزويدها أخيرا بطائرات بدون طيار مسلحة، وذخائر ذكية، وطائرات هليكوبتر هجومية من الجيل الجديد، تمكنت قوات الأمن التركية من تحقيق إنجازات ترضي الجمهور. ومع ذلك، فإن معظم الخبراء المهنيين يتساءلون كم من الوقت تستطيع تركيا الحفاظ على هذا الإيقاع التشغيلي عالي الخطى. وإذا كان من الممكن تمديد العمليات حتى نهاية عام 2017، ومنع حزب العمال الكردستاني من إعادة الانتشار في فصل الشتاء، عندئذ يمكننا أن نتحدث عن ضربة أكثر خطورة لوجود حزب العمال الكردستاني في تركيا.

وقد اختار حزب العمال الكردستاني، من خلال التركيز على شمال سوريا، الانحسار في تركيا التي يعدها جبهة ثانوية في الوقت الحاضر. ولكن الأرض تسخن في شمال سوريا، ولدى الجانبين توقعات عالية.

ولكن السؤال الذي ما يزال قائما: كيف يمكن لتركيا تحويل هذا النجاح العسكري على المستوى العملياتي إلى حل سياسي مستدام وسلمي؟

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس