شامل محمد حلمي - هاف بوست عربي

التاريخ الإسلامي تعرض عبر مراحله لحملات عاتية من التشويه والتزييف لأهداف سياسية أو مذهبية، ولكن في كل مراحله كان التشويه والتحريف يتم بأيد تنتسب للإسلام بصورة من الصور، إلا التاريخ العثماني فقد نال هذا التاريخ حظه الأوفر من التشويه على يد الأوربيين الذين يحملون قدراً مهولاً من الحقد والعداء للدولة العثمانية التي أذاقت أوروبا والأوربيين طعم الهزيمة والذل والانكسار لقرون، مما جعل الأوروبيين يجتهدون أيما اجتهاد من أجل تشويه تاريخ الدولة العثمانية، وسجلوا عن العثمانيين كل سلبية، جالت بها أقلامهم، وحلقت بها أفكارهم، وتجاهلوا كل إيجابية، ونظروا إلى تاريخ العثمانيين بعين البغض التي تبدي المساوئ!

التاريخ العثماني كتبه الأوربيون أو من افتتن بهم وسار على منهجهم، لذلك نادراً ما نجد كتاباً تاريخيًاً يتناول الدولة العثمانية بإنصاف وحيادية، فصورة الدولة العثمانية في المراجع الأوروبية والعربية على حد السواء؛ صورة نمطية شديدة السلبية تتجاهل كل فضيلة وتبرز كل نقيصة، فهي في نظر الكثيرين دولة احتلال للعرب وإبادة ودموية وسلب ونهب، كرست التخلف والجهل ونهبت خيرات البلاد، وفي نظر الأوروبيين هي دولة إرهاب وغزو وإغارة وطغيان، دولة تسترق الأطفال وتغتصب النساء وتحتل البلاد وتنهب الخيرات.

فالذاكرة الأوروبية لم تنس يوماً ما قام به العثمانيون في القارة الأوروبية، لم ينس الأوروبيون أبداً فتح القسطنطينية عاصمة العالم النصراني وقتها سنة857 على يد محمد الفاتح وتحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، في أكبر إشارة على ظفر الإسلام على النصرانية، وكيف أن العثمانيين قد وسعوا رقعة الأراضي الإسلامية لتشمل معظم يوغسلافيا والمجر وبولندا ونصف روسيا وبلغاريا ومقدونيا ورومانيا واليونان وامتدت ولاياتها عبر ثلاث قارات.
الذاكرة الأوروبية لم تنس كيف وقف العثمانيون في وجه الصليبيين على مختلف الجهات، فقد هاجموا شرق أوروبا لتخفيف الضغط الواقع على مسلمي الأندلس، وواجهوا البرتغاليين في جنوب الخليج العربي، وواجهوا الإسبان في شمال أفريقيا وسواحل البحر المتوسط،

وواجهوا الروس القياصرة في وسط آسيا، وواجهوا البرتغاليين في شرق أفريقيا. ولم يستطع الأوربيون احتلال المنطقة الإسلامية إلا قبيل سقوط الدولة العثمانية، في حين أن البلاد التي لم تخضع للدولة العثمانية مثل الهند وأندونيسيا وماليزيا وقعت مبكراً بيد الاحتلال الأوروبي وعانت منه لما بعد الحرب العالمية الثانية، ولم ينس الأوربيون أن العثمانيين قد قاموا بنشر الإسلام في العديد من أجزاء أوروبا، وأن مسلمي أوروبا عامة وشرقها خاصة يدينون بالفضل للدولة العثمانية في دخول الإسلام، حتى أصبح للمسلمين جاليات كبرى في أوروبا، كانت مجهولة لكثير من المسلمين حتى وقعت مجازر البوسنة والهرسك في أواسط التسعينيات.

الذاكرة الأوروبية متخمة بالكثير من المشاهد المؤلمة والمهينة والتي كان العثمانيون سبباً مباشراً فيها، فالأوروبيون لم ينسوا معارك كوسوفو الأولى والثانية وموهاكس وحصار فيينا وبلجراد ونيكوبولس وفارنا والقسطنطينية وغيرها كثير، كما لم ينس الأوربيون كيف أن العثمانيين قد أخذوا الأطفال اليتامى من البلاد المفتوحة في أوروبا وربوهم تربية إسلامية خالصة وشكلوا بهم نواة الجيش العثماني الشهير بالإنكشارية والذي ظل مصدر قوة وفخر للعثمانيين لفترة طويلة.

الأوروبيون كانوا وما زالوا يحقدون على الدولة العثمانية ويكرهونها بشدة، ورغم كل ما جرى للدولة العثمانية والأتراك على يد الأوروبيين إلا أنهم مازالوا يعتبرون العثمانيين المسلمين الخصم التاريخي اللدود الذي لا تنمحي عداوته ولا تفنى كراهيته، لذلك فهم لا يدخرون وسعاً في قطع الطريق على أي فكرة أو مشروع للحديث عن أمجاد الدولة العثمانية وتذكير الناس بمآثرها.

يدعون أن الدولة العثمانية قامت بتهميش العرب وتحجيم دورهم وكانت السبب في تخلفهم ورجعيتهم وهذا غير صحيح..

فقد كانت القاهرة هي المدينة الثانية في الدولة، فكانت تلي العاصمة إستانبول مباشرة في الأهمية تليها مدينة حلب، العربية أيضاً، ويصف الدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم مصر العثمانية بأنها كانت "محور العلاقات الاقتصادية بين المشرق والمغرب.. وهي مركز لعمليات التصدير والاستيراد مع كل من البلدان الأوروبية والإفريقية والآسيوية"، كما يصف المؤرخ روجين روجان وضع حلب داخل العالم العثماني بالقول إن أهلها لم يكونوا يعرفون "أن الفتح العثماني سيأتي لمدينتهم بعصر ذهبي يمتد حتى القرن الثامن عشر، تصبح فيه المدينة واحدة من أهم مراكز التجارة البرية بين آسيا ودول البحر المتوسط.. وأصبحت من أكثر مدن العالم العربي عالمية"، فهل احتفى المستعمرون البريطانيون بالقاهرة وجعلوها تلي لندن في إمبراطوريتهم، أم هل اهتم الفرنسيون بحلب وجعلوها تلي باريس في الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية؟

ويقول المؤرخ فيليب مانسل إن "عبد الحميد الثاني عمد إلى توفير المال وتركيز الاهتمام على الأقاليم العربية بحيث فضّلها على العديد من المناطق التركية"، وأكد ذلك المشاريع الحيوية التي قام بها وبدأ بعضها بالبلاد العربية قبل الأناضول كسكة الحجاز إضافة لسكة بغداد وتطوير بيروت وحيفا ومعان وتبوك ودرعا وبناء بئر السبع لمواجهة الاحتلال البريطاني في مصر وبناء العمارة والناصرية في العراق قبل ذلك وكلها مشاريع حيوية لو استمرت لأحدثت تطوراً كبيراً للحالة الوحدوية التي كانت تجمعنا ولكن دول الاستقلال والتجزئة العربية أوقفتها أو هدمتها أو عطلتها بالتعاون مع الاستعمار.

كل ما سبق من الحقائق لا يتفق مع مفهوم الاستعمار الذي حاولت بعض الكتابات إلصاقه بالحكم العثماني في البلاد العربية.. 

الدولة العثمانية أكثر دولة تم تشويهها وظلمها عبر التاريخ

أليس ظلماً أن نختزل 500 عام من الجهاد ورفع راية الإسلام في آخر 50 عاماً فقط من عمرها؟!

أليس ظلماً أن نتجاهل أكثر من 100 مليون مسلم دخلوا الإسلام بسببها؟!

أليس ظلماً أن نتجاهل دورها بعدم نشر المذهب الشيعي بالبلاد العربيه؟!

أليس ظلماً أن نشتم الدولة الوحيدة التي دافعت عن الأندلس وأنقذت الكثير من الأندلسيين بعد أن تم طردهم بل وحررت دولاً مثل تونس من الاحتلال

الإسباني؟!
أليس ظلماً أن نشتم الدولة التي تصدت بمفردها لأكثر من 25 حملة صليبية على العالم الإسلامي؟!
أليس ظلماً أن نسب الدولة التي دفع آخر سلاطينها عرشه ثمناً للتمسك بفلسطين وعدم التفريط بها لليهود؟!
وأليس ظلماً أن المناهج العربية لا تذكر بايزيد ولا سليم ولا عبد الحميد ولا القانوني؟! 
وتعلم الطلاب أن العثمانيين كانوا محتلين؟!
أليس ظلماً أن نعلم أولادنا في المناهج ميزات الحملة الفرنسيه والمشاريع البريطانية والفرنسية ونعلمهم سلبيات الدولة العثمانية؟!
وأقول لكم أيضاً: سأستمر في دفاعي عن الدولة العثمانية
سأستمر لنعرف تاريخنا المجهول لدولة مظلومة قادت الأمة يوماً لمجدها..
سأستمر كي أحكي أسرار دولة دكت وأذلت أوروبا كلها..
سأستمر لنعرف دولة انتصرت على جميع دول أوروبا مجتمعة وهي وحيدة..
سأستمر لنعرف دولة هي الوحيدة التي ضربت لوفاة أحد سلاطينها أجراس الكنائس في أوروبا وأقيم قداس شكر ثلاثة أيام بأمر من البابا.. 
سأستمر لنعرف دولة أرسل بابا الفاتيكان إلي فيليب ملك إسبانيا يطلب منه فيها أن يدعو كل الدول المسيحية للاتحاد لمواجهة الدولة العثمانية لأنه لا توجد دولة مسيحية تقدر على مواجهتها بمفردها.. 
سأستمر مهما تعرضت للهجوم والانتقاد.. 
سأستمر لندرس ونصنع منهاجاً جديداً بعكس الموجود في مدارسنا..

عن الكاتب

شامل محمد حلمي

باحث اكاديمي وعملي في التاريخ والحضارة الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس