محرم إيكشي - مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات - ترجمة وتحرير ترك برس

تُذكر أزمة قطر بأن تركيا تحتاج إلى اتباع سياسة متوازنة في الشرق الأوسط. إن حقيقة أن تركيا دولة قادرة على إقامة اتصالات مع جميع الأطراف دون أن تكون طرفا في مشاكل الشرق الأوسط تكشف مرة أخرى أن تركيا هي القوة الناعمة الأساسية في المنطقة. وبالمثل، فإن مبادرات الدبلوماسية الاستباقية التي اتخذتها تركيا مع أطراف الأزمة عندما برزت كانت ناجحة وتم التغلب على المرحلة الأولى من الأزمة. وينبغي التأكيد على أن تركيا لم تفعل ذلك بمفردها،وأن الدبلوماسية المشتركة، ولا سيما مع إيران، ودعم باكستان وأذربيجان، كانت فعالة في هذه العملية. ومن ثم، يلاحظ أن تركيا برزت مرة أخرى بوصفها قوة توازن في الشرق الأوسط.

نشأت أزمة قطر نتيجة سياسة ترامب في إضعاف إيران بالكتلة السنية،ونتيجة للتنافس بين إيران والسعودية. وفي هذا السياق، يمكن القول بأن تركيا لعبت دورا في أزمة قطر بوصفها لاعبا محبطا للأزمة، وليست صانعة لها. كما ادعي البعض.وبعبارة أخرى، من المفهوم أن تركيا تلعب دورا مفسدا في لعبة إدارة ترامب لإضعاف إيران بالكتلة السنية. وعلاوة على ذلك، فإن التحركات التركية في الدبلوماسية القطرية قلبت الموازين في اللعبة الكبرى الجديدة في الشرق الأوسط. وقد لوحظ نجاح الدور المفسد لتركيا خاصة عندما ضعفت حكومة المالكي في العراق. ومن ثم تعززت قوتها الناعمة المتصاعدة ودورها القوي في السياسة الإقليمية من خلال حقيقة أن تركيا برزت قوة مفسدة للمخططات وقوة توازن في أزمة قطر.

تركيا قوة تغير قواعد اللعبة

إن الدور المفسد لتركيا في أزمة قطر يستند فعليا إلى خطة إدارة ترامب لبناء حلف ناتو عربي بقيادة السعودية في الشرق الأوسط ضد إيران. وبالتالي، فإن أزمة قطر هي انعكاس إقليمي للصراع بين خطة حلف الناتو الإسلامي الذي تقوده تركيا وباكستان، وخطة حلف الناتو العربي المدفوع من ترامب والإدارة السعودية. وفي هذا السياق، كشف طلب إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر ضمن قائمة المطالب الثلاثة عشرة التي نقلت إلى قطر، ارتباط تركيا بالأزمة. لذلك، يمكن القول بأن الوجود العسكري التركي في قطر أفسد خطط كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وبهذا المعنى، فإن أزمة قطر هي مبادرة لإزالة الوجود العسكري لتركيا في المنطقة.

واستنادا إلى حقيقة أن الأزمة اندلعت بعد زيارة ترامب للشرق الأوسط، يجب أن نضع في حسباننا أن الأزمة كانت نتاج محاولة إدارة ترامب لإنهاك إيران وإضعافها من خلال إنشاء الكتلة السنية التي تقودها السعودية، في إطار سياستها الجديدة في الشرق الأوسط التي تركز على إيران. في هذه المرحلة، كان من المتوقع أن يحدث إضعاف إيران بدمج السياسات التي تنفذ في سوريا واليمن. وبعبارة أخرى،كانت الخطة هي التحول إلى جعل الأزمة  في سوريا واليمن إلى أزمة لإيران. وقد أُحبطت خطة الولايات المتحدة في المنطقة حتى الآن عندما تعاونت إيران مع تركيا  بعد هجمة داعش الإرهابي، في حين كان من المتوقع أن تقع إيران في فخ الولايات المتحدة الأمريكية وتهاجم دول الخليج. قام جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، بزيارة مفاجئة لأنقرة خلال أزمة قطر. بعد ذلك، شاركت باكستان في أزمة قطر لدعم تركيا وإيجاد حل للمشكلة. لذلك، لعبت تركيا دور القوة الموازنة بالتدخل في أزمة قطر من خلال الدبلوماسية الاستباقية. أوجدت تركيا، بوصفها قوة دبلوماسية ذكية، التوازن مع إيران وباكستان ضد الكتلة المدعومة من الولايات المتحدة المكونة من المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج الصغيرة. وبهذا المعنى، كانت الأهمية الرئيسية لتركيا في أزمة قطر مفهومة، وأن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بدون تركيا سوف تهزم تماما حتى في بدايتها.

تركيا الوسيط الصانع للسلام

كان السبب الأساسي لاهتمام دول الخليج التي تقودها السعودية بقطر هو الهيمنة المطلقة للمملكة العربية السعودية على دول الخليج قبل البدء في سياسة إضعاف إيران. ظهرت أزمة قطر بعد صعود الدوحة كقوة ناعمة ضد قيادة المملكة العربية السعودية، وبعد تقاربها مع إيران. ولم يكن متوقعا هنا دعم تركيا الكبير لقطر. إن دبلوماسية تركيا خلال أزمة قطر حالت دون وقوع قطر فريسة ودمرت خطة ترامب لإضعاف إيران تحت القيادة السعودية على الأقل حتى الآن. ومن ناحية أخرى، مكنت أزمة قطر تركيا من اتباع سياسة استباقية في الشرق الأوسط مرة أخرى. وبالمثل، فقد أتيحت لتركيا الفرصة للتغلب على العوائق التي واجهتها بسبب الأزمة السورية منذ عام 2011. وقد أتاحت الاتصالات الهاتفية المكثفة للرئيس أردوغان، والدبلوماسية المكوكية لوزير الخارجية، تشاويش أوغلو،لتركيا الأرضية للصعود كقوة ناعمة في المنطقة مرة أخرى. ويتجلى هذا من خلال الزيارات المتعاقبة لأطراف الأزمة إلى تركيا.

وفي الختام، ما تزال أزمة قطر تتعمق، ناهيك عن النهاية. لذلك، تحتاج تركيا إلى مواصلة دعمها لقطر مثلما فعلت في المرحلة الأولى من الأزمة. من ناحية أخرى، من الأنسب أن تواصل تركيا اتصالاتها مع الجهات الفاعلة الأخرى في الأزمة، وأن تصر على دورها كوسيط في صنع السلام، وأن تستمر في لعب دور المفسد  للمخططات الأمريكية والمغير لقواعد اللعبة، إدراكا بأن تركيا هي الهدف من هذه الأزمة. وفي هذا الصدد يمكن القول أن ضم تركيا لروسيا في الأزمة القطرية بوصفها قوة موازنة، وبالتالي اتباع سياسة التوازن هو الخيار الأمثل. وفي نهاية الأمر، فمن المستحسن لتركيا أن تكون قادرة على الحفاظ على دورها قوة موازنة، ودور القوة الذكية، وذلك باتباع سياسة توازن نشطة تقوم على الردع.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس